كُلٌّ منّا -أو بالأحرى- الغالبية العظمى تتمنّى العودة لمرحلة الطفولة، ويؤكد ذلك عندما نتذكر تلك المرحلة ويتملّكنا شعور لا إرادي بالبهجة والسرور، ونبدأ بسرد المواقف والحكايات الجميلة التي غمرت تلك المرحلة، حتى إن الذكريات المؤلمة بها تمر على مخيلتنا وكأنها أيام بدون أوجاع..! فالطفولة في معظم الأحيان هي المرحلة المشرقة في حياتنا. ومن أصعب الأمور التي قد نراها، أن نجد طفلًا يتألم وكأن لسان حالنا يأبى أن نجرح ذكرياتنا العذبة.. وليس الألم الجسدي أو العضوي هو مقصدي، ولكن ما يُؤذينا أيضًا هو الألم النفسي الذي يهديه المجتمع نتيجة ذنب لم يقترفه مثل انفصال الوالدين.. فيُصاب الطفل فجأة بالتشتت الفكري وحرمان العاطفة، وعدم الشعور بالأمان، ويتفاقم الألم بداخله عندما يبدأ كلا الطرفين من الأم أو الأب ببناء حياة جديدة لهم، يكون فيها الطفل ضيفًا غير محبوب وزائرًا غير مرغوب..!! كل هذا والمشكلة لم تظهر بوضوح -من وجهة نظري- ولكن السؤال: كيف هو الحال عندما يكبر هذا الطفل ويصبح مسؤولًا عن منزل للزوجية؟ كيف سنتوقع عطاءه العاطفي وهو الذي عانى من الحرمان؟ حتمًا سيُصاب بمرض الطفولة المتأخرة..! التي من عواقبها التمرد والعصيان لأتفه الأسباب، أو قد يُفَاجأ شريكه برغبته العالية بالتدليل. وفي ظل أخطاء الكبار والتي يدفع ثمنها الصغار كنتاج طبيعي للتفكك الأسري وتبعاته، تتقلّص مطالبهم وتقتصر على الأمان والحنان.. فهم لا يُطالبون برعاية صحية كريمة أو تعليم بمستوى عالٍ ليرتقي بهم فوق جروحهم.. حتى إنهم لا يريدون طريقًا ممهدًا يسيرون عليه لمستقبل أكثر هدوءًا. فأين البرامج التأهيلية التي تتفهم وضعهم الأسري الذي أجبرتهم الحياة عليها... أين البيئة القادرة على استخراج الطاقات الإيجابية من داخلهم المنهك.. هل تم التركيز على هذه الحالات من بداية المرحلة المدرسية لنبدأ مرحلة التأهيل المبكر؟ أم يكفينا التوجه لدراسات العنف الأسري وننسى أن أساس المشكلة هي قد تقبع داخل الطفولة المتأخرة؟!. د. أمل سلطان