ما يميِّز الخلاف المستمر حول "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أنه خلاف حول التطبيق والممارسة، وليس حول وجوب هذه الشعيرة التي يتفق عليها الجميع. وبما أن الخلاف حول الممارسة فمن المفروض أن لا يؤدي إلى التنافر والخروج عن العقلانية لطرفَيْ النزاع في محاولة لاستمالة الرأي العام كما يحدث الآن، وما يدور من "دفاع مطلق" أو "هجوم أعمى" في وسائل الإعلام الجديد والقديم أكبر دليل على ذلك. الهيئة جهاز من أجهزة الدولة، وقد حقَّق الكثير خلال تاريخه الذي ترأسه فيه عدد من المشايخ الفضلاء، واليوم فإن هذا الجهاز "كغيره" بحاجة إلى عملية تطوير "نوعية"؛ لكي لا يخسر ما بقي من مؤيديه. ولكي يكون التطوير نوعياً فإن تعيين رئيس جديد للهيئة لن يحقق ذلك، ولا أعتقد أن أحداً يتمنى تولي هذه المهمة الآن. ولأن الأمر بات يشكّل خلافاً مجتمعياً فإن الوقت قد حان لصانع القرار لوضع هذا الجهاز في المكان اللائق به، وفي البيئة التي توفر له أدوات التميز وتدعمه؛ ليكون قريباً من الجميع، وتحقق له التكامل مع الأجهزة الدعوية التي تملك من الخبرة والإمكانات البشرية ما يمكن أن يجعل منه جهازاً عصرياً ينطلق لأبعاد أرحب لممارسة مهامه في جو من الأريحية والتصالح مع المجتمع. عندما تأسست وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في العام 1414ه نص الأمر السامي الكريم على أن "تتولى الوزارة كل ما له علاقة بالشؤون الإسلامية والإرشاد والدعوة إلى الله"، إضافة إلى المساجد والأوقاف، وانتقلت مسؤولية الإشراف على "الدعوة والإرشاد" حينها من رئاسة الإفتاء إلى الوزارة؛ ما حقق نقلة عظيمة في مجال الدعوة، شهد بها الجميع؛ فقد استقطبت الوزارة لذلك العديد من طلبة العلم وأساتذة الجامعات، وأقامت لذلك البرامج والندوات والمؤتمرات والمسابقات، واستفادت من الأدوات العلمية والإعلامية العصرية كافة؛ لبث رسالتها، بما فيها الجامعات وقنوات الفضاء، وقد كان من أهم منجزاتها "مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات"، التي لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه عن منجز يتحقق من خلالها. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هي المظلة المناسبة التي يمكن أن يستظل بها الإشراف على شعيرة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وستساهم الوزارة في ربطها بما تشرف عليه أصلاً كالمساجد ومكاتب التوعية ومراكز البحوث والدراسات، إضافة إلى القنوات والبرامج الإعلامية المساندة، وسيسهم الدعاة الذين تشرف عليهم الوزارة وتدعمهم في وضع هذه الشعيرة المباركة في المكانة التي يأملها المسؤولون والمواطنون على حد سواء، وتقريب مفهومها للناس، وجعله ممارسة يومية يمارسها الجميع بكل حب وود. لقد نجحت الوزارة عبر مكاتبها الدعوية في هداية من لا يدين بالإسلام، فضلاً عمن لا يؤمن بوجود الله، كما نجحت عبر حملة "السكينة" في الحوار مع أرباب الفكر الضال، وتغيير مفاهيم العديد منهم؛ ومن باب أولى أن تنجح في مهمة هي أسهل من ذلك بكثير.