هو الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع)،فنسبه الشريف يتصل بالامام الحسين (ع) فامير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) والرسول محمد (ص). واما امه يقال لها سبيكة، وتكنى أم الحسن، وكانت نوبية، وهي أفضل نساء زمانها وكانت من اهل بيت زوجة أم المؤمنين مارية القبطية (رض). مولده عليه السلام ولد الإمام الجواد (ع) يوم الجمعة العاشر من شهر رجب الأصب ، من سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة المباركة ، ويؤيد هذا القول بل يؤكده ويلزم به الدعاء المنسوب إلى مولانا الامام الثاني عشر الحجة المنتظر (ع) وقد أمر (ع) بقراءته أيام شهر رجب ، وأوله (اللهم إني اسألك بالمولودين في رجب ، محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب). كنيته والقابه عليه السلام وكنيته تشبه كنية جده الامام محمد بن علي الباقر (ع) كما يشبهه في الأسم ، واسم الأب ، أي ابو جعفر ، محمد بن علي ، ولذا اشتهر الإمام الجواد بأبي جعفر الثاني ، تمييزاً عن الإمام محمد الباقر (ع) ، وربما يقال في كنيته (ع) أبو عبدالله ، ايضاً . وأما القابه فمنها : الجواد ، والتقي ، والقانع ، والمرتضى ، والمختار ، والمتوكل ، والمنتجب ، والنجيب ، والمتقي ، والزكي ، وغيرها . النص على إمامته عليه السلام تعددت وتضافرت الروايات التي تقول بان الإمام الرضا (ع) نص على امامة ولده محمد اكثر من مرة ، وبعضها يشدد على ان أباه الرضا (ع) نص على إمامته قبل ولادته ، أي وهو مايزال جنيناً في بطن امه ، نذكر منها : روى الشيخ المفيد (رض) في الأرشاد ، عن محمد عن الخيراني عن ابيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) بخراسان فقال قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى مَن ؟ قال : (( إلى ابي جعفر ابني )) فكأن القائل استصغر سن ابي جعفر (عليه السلام ) فقال أبو الحسن (عليه السلام ) إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في اصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (عليه السلام). وروي ايضاً عن احمد بن محمد عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا (عليه السلام ) قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر ، فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله لك ، وأقر عيوننا به ، فلا ارانا الله يومك وإن كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى ابي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين قال : وما يضره من ذلك ؟ قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين . وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عن الإمام الرضا (ع) أنه قال : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي . وكان الإمام الرضا (ع) يخاطب ابنه هذا بالتعظيم ، وما يذكره إلا بكنيته " ابي جعفر " وهو صبي قليل السن في مقاييس البشر ومفاهيمهم . وكان الإمام الرضا(ع) يامراصحابه بالسلام على ابنه ابي جعفر (ع) بالإمامة والإذعان له بالطاعة ، وكان يؤكد ويشدد على ذلك . وروي ايضاً ان عم الإمام الرضا (ع) علي بن جعفر الصادق (ع) الذي عرفناه من جملة ابناء الإمام الصادق (ع) ، كان ذات يوم جالسا في مسجد رسول الله (ص) بالمدينةالمنورة ومعه اصحابه ، إذ دخل عليه ابو جعفر الجواد (ع) ، فوثب علي بن جعفر (ع) بلا حذاء ولا رداء ، فقبل يده وعظمه ، فقال له ابو جعفر (ع) يا عم ، اجلس رحمك الله فقال : يا سيدي كيف اجلس وانت قائم ؟ فلما رجع إلى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون : انت عم أبيه ، وتفعل هذا الفعل ؟ فقبض علي بن جعفر على لحيته وقال لهم : اسكتوا ، إذا كان الله عز وجل لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أنكِرُ فضله ؟! نعود بالله مما تقولون ! بل انا له عبد !! ثم إن الإمام الجواد (ع) قام بما تحتاج إليه الناس بعد أبيه (ع) لأنه الحجة ، ولا يعجزه عن ذلك صغر سنه لأنه (ع) مستكمل الشرائط ، وهم انوار الله في عالم المكنون والملكوت ، وإنما هم صموت ماداموا لم يؤذن لهم . وعلى اي حال فهذا الإمام الشاب المعصوم على صغر سنه لا ينقص فضله وشرفه عن ابائه المعصومين وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين . فكلهم نور واحد ذرية بعضها من بعض وكلهم ثمرات الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بأذن ربها . فكما تؤتي تلك الشجرة المباركة الاكل والثمر كل حين ، كذلك لا تخلو الأرض في كل وقت في وكل حين، وكل ساعة من حجة قائمة عليها ، ومن إمام ساكن عليها وإلا لساخت على الفور باهلها ، وكذلك لا ينقطع الناس ولا يستغنون في كل عصر عن علوم إمام عصرهم وحجة زمانهم ،ولا بد للناس من الرجوع إلى الموجود منهم في كل زمان ، إما شفاهاً بلا واسطة إن كان ظاهراً للأنظار مرئياً بالأبصار ، او إلى نوابه وخدامه الخاصين أوالعامين إن كان غائباً في البلاد ومستوراً عن العباد كاستتار الشمس وراء الغيم ، مثل إمام عصرنا الحجة الثاني عشر (ع) عجل الله فرجه الشريف . زوجاته واولاده عليه السلام نعرف ممن تزوجهن الإمام الجواد (ع) أم الهادي والدة الإمام العاشر علي الهادي . وام الفضل بنت المامون والتي سيرد ذكرها أيضاً في احوال هذا الإمام الهمام (ع) وهذه لم تلد له اولاداً . اما اولاده (ع) فهم أربعة : ذكران وانثيان ، والذكران هما بكره أبو الحسن علي الهادي (ع) الإمام بعده ، واخوه موسى المعروف بموسى المبرقع . والأنثيان هما فاطمة ولعلها المعروفة بالحكية أو الحكيمة ، المدفونة في سامراء في بقعة الإمام الهادي (ع) ، والثانية أمامة ، وهذا قول الشيخ المفيد ( أعلى الله مقامه ) وزاد الشيخ الطبرسي (قد) على ذلك من البنات حكيمة وخديجة وام كلثوم . اما ولده الأكبر فهو الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي (ع). واما ولده الأخر المسمى بموسى والمشهور بموسى المبرقع ، فقد ولد في المدينةالمنورة واقام مع أبيه إلى أن استشهد أبوه (ع) ببغداد ، ثم انتقل إلى الكوفة وسكن بها مدة ، وفي سنة ست وخمسين ومأتين هاجر من الكوفة وورد قم وتوطن بها . وقبره اليوم مزار معروف في البلدة المقدسة ، مشهور ب در بهشت أي باب الجنة تزوره العامة والخاصة . وموسى جد السادة الرضوية وينتهي نسبهم إليه ، والسادة الرضوية المنسوبون إلى الإمام أبي الحسن الرضا (ع) من البيوتات العلوية الجليلة الساكنون في ايران والهند وباكستان وأفغانستان وتركستان والعراق والشام وغيرها من البلاد . سنوات عمره وحياته الشريفة بشكل عام تولى الإمام الجواد (ع) الإمامة بعد شهادة ابيه الرضا (ع) وهو ابن سبع سنين وثلاثة أشهر ، او تسع سنوات وأشهراً ، بل كان عمره (ع) على المشهور سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة أيام ، ولم يتولَ احد الإمامة في مثل هذا العمر الصغير إلا ابنه الإمام الهادي (ع) بعده . وبعدهما الإمام الحجة (عج ) وكان أيضاً أقل الأئمة عمراً ، فقد عاش (ع) على المشهور خمساً وعشرين سنة وأربعة أشهر وستاً وعشرين يوماً فقط ، وإذا حدفنا منها سنوات حياته مع أبيه (ع) وهي سبع سنوات وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً ، فتكون مدة إمامته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً . ملوك عصره عاصر الإمام الجواد (ع) بقية ملك المامون بعد استشهاد والده الإمام الرضا (ع) على يد المأمون وقسماً من ملك المعتصم ، والمعروف المشهور انه (ع) استشهد في اول ملك المعتصم ( وإن قيل أيضاً بوقوع شهادته في ملك الواثق) لكن هذا القول بعيد لان هلاك المعتصم كان في سنة 227ه وشهادة الإمام (ع) في سنة 220ه معجزاته عليه السلام ومن معجزاته (ع) البارعة ما وقع له عند استشهاد أبيه (ع) . منها ما رواه محمد بن ميمون قال : كنت مع الرضا (ع) بمكة قبل خروجه إلى خراسان فقلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة ، فاكتب معي كتاباً إلى ابي جعفر (ع) فتبسم وكتب كتاباً وسرت إلى المدينة وكان قد ذهب بصري فاخرج الخادم أبا جعفر يحملة من المهد ، فناولته الكتاب فقال موفق ، فضه وانشرره ين يديه . ففضضته ونشرته بين يديه ، فنظر فيه ، ثم قال لي : يا محمد ما حال بصرك فقلت يا ياابن رسول الله اعتليت فذهب بصري كما ترى ، فمدّ يده ومسح على عيني فعاد إليّ بصري كأصح مما كان ، ثم قبلت يديه ورجليه وانصرفت من عنده وانا بصيراً . علمه ومحاججاته عليه السلام تعددت الأخبار والروايات عن سعة علم الإمام الجواد (ع) (كأبائه -ع- ) وقوة حججه وعظمة آياته منذ صغره ، وعن ادهاشه وافحامه العلماء والكبار وهو حدث صغير السن ، فمن تلك الأخبار ، أنه دخل (ع) بعد شهادة أبيه الرضا (ع) خلق كثير من بلاد مختلفه لينظروا إليه ، وكان في المجلس عمه عبدالله بن موسى (ع) ، وهو شيخ كبير نبيل ، عليه ثياب خشنه ، وبين عينيه سجادة كبيرة ، وكان يكرم الجواد (ع) كثيراً على صغر سنه ، والمنادي ينادي هذا ابن بنت رسول الله فمن أراد السؤال فليسأل ، فسئل عن اشياء أجاب فيها بغير الجواب ، ، فرد على الشيعة ما أحزنهم وغمهم واضطربت الفقهاء ، فقاموا وهموا بالأنصراف ، وقالوا في انفسهم : لو كان أبو جعفر (ع) يكمل لجواب السائل لما كان عند عبدالله ما كان من جواب بغير الجواب ، ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال : هذا ابو جعفر (ع) فقاموا إليه واستقبلوه وسلموا عليه فرد عليهم السلام ، فدخل (ع) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين ، وفي رجليه نعلان ، وجلس وامسك الناس كلهم ، فقام صاحب المسأله فسأله عن مسأله أجاب عنها بالحق ، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه ، وقالوا له : إن عمك عبدالله أفتى بكيت وكيت ، فقال لا إله إلا الله ياعم إنه عظيم عندالله أن تقف بين يديه - فيقول لك لِمَ تفتي عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك . وأما محاجاته فكثيرة جداً ، ولعل من أكثرها شهرة مع قاضي القضاة في بغداد يحيى بن أكثم في مسألة مُحرم قتل صيداً ؟ وأجاب (ع) عند ذلك بجواب متفرع ، فحير ابن اكثم واخجله . ومنها ما حدث في مجلس المعتصم ، وذلك أنهم جاؤوا يوماً بسارق ليجرى عليه الحد ، وكان عنده من علماء المذاهب الإسلامية المختلفة جماعة ، فسألهم عن حكمه ، فحكموا عليه بقطع اليد ولكنهم اختلفوا في حد اليد فقال قوم بان تقطع يده من الكرسوع وهو الزند ، تمسكاً بآية التيمم وحده من الزند ، وقال اخرون بكون القطع من المرفق ، فاحضر الإمام وسأله عن ذلك فتثاقل الإمام (ع) عن الجواب واستعفى منه ، فاصر عليه المعتصم وحلفه وألزمه ، فحكم الإمام (ع) بخطأ الفريقين ، وإن يد السارق لا تقطع إلا اصابعها ، ولا بد من ابقاء الكف للسجود عليه ، تمسكاً بقوله تعالى (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )) وإن ما كان لله فلا يقطع ، فاعجب ذلك المعتصم وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف . علاقته مع المأمون والمعتصم بقى الامام الجواد (ع) عند المامون معززاً مكرماً ، وذلك تظاهراً من المأمون . وكانت زوجته ام الفضل لا توافقه في الأخلاق والأفعال ، لآنه يكرم كثيراً زوجته ألجليلة أم الإمام العاشر علي الهادي ، وكانت تشكيه لأبيها المامون وهو لايصغي لها لما صدر منه نحو ابيه الرضا(ع) ولم يتعرض لأذيته ، علماً بأن ذلك ليس في صلاح دنياه ولا أخراه . وقد علمه الإمام (ع) الحرز المعروف بحرز الجواد (ع) للحفظ من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات وهو من أوثق الأحراز . ثم خرج (ع) من معاشرة المامون فخرج للحج ، ومعه أم الفضل ، ورجع من مكة الى مدينة جده المصطفى (ص) ، فلم يزل بها حتى هلك المأمون ، وبويع لأخيه المعتصم وكان مضى على خلافته (ع) بعد أبيه (ع) ست عشر سنة . وكان المعتصم أكثر بني العباس تعصباً وكرهاً لأبناء علي ، وكان يبهره ويحيره ما يسمع من معجزات وكرامات وعلوم الإمام الجواد (ع) وفي الوقت نفسه يملأ قلبه خوفاً منه وحسداً ويزيده عداوة . واخيراً قرر أن يستدعيه من المدينةالمنورة ليبقيه بجانبه وتحت نظره في بغداد . فلما بلغت دعوته الإمام ، تهيأ للمسير مع زوجته ام الفضل ، وأوصى لولده الإمام الهادي (ع) وجعله خليفة من بعده ونص عليه بالإمامة بمحضر أكابر شيعته ، ودفع إليه مواريث الإمامة وهو (ع) بعد صغير السن وانصرف (ع) ودخل بغداد في الثامن والعشرين من شهر محرم من سنة عشرين ومأتين للهجرة الشريفه ، وفي بغداد حيث محاججاته وإكبار العلماء والناس له (ع) واياته التي تظهر تزيد المعتصم خشية منه ويتظاهر بتقدير واحترام الإمام (ع) ولذا كان ينتظر الفرصة للانتقام والتخلص من الإمام الجواد (ع) . وكان بنو العباس ايضا يخافون من الإمام (ع) وينقمون عليه بسبب فضله وعلمه وحب الناس له ، فكانوا دائمي السعاية والدس له والأفتراء عند الخليفة ، ولعل أبرز هؤلاء الأخصام والأعداء جعفر بن المامون ، أخا ام الفضل زوجة الإمام (ع) . استشهاده عليه السلام نظراً لتلك السعايات التي فعلت فعلتها ، قرر المعتصم التخلص من الإمام الجواد (ع) ، فأوعز إلى زوجته أم الفضل بدس السم، كما أن أخيها جعفر بن المامون أوعز لها ذلك أيضاً . فجعلت السم في العنب واطعمت الإمام (ع) منه ، وإن الإمام الجواد (ع) عندما أحس بأثر السم ادرك انه منها ودعا عليها ، وكانت شهادته (ع) يوم السبت آخر يوم من شهر ذي القعدة الحرام من سنة عشرين ومأتين من الهجرة الشريفة في بغداد ، ودفن في مقابر قريش بظهر قبر جده الإمام موسى الكاظم (ع) وتسمى اليوم مدينة الكاظمية وتقع في شمال بغداد ، وفوق ضريحهما المباركة قبتان ذهبيتان تحيط بهما اربع مآذن كبار بهيئة جميلة. وروي أن جثمانه الشريف (ع) بقي ثلاثة أيام في البيت بلا دفن ، ومثل هذا القول ورد بشأن جده سيد الشهداء الامام الحسين (ع). / 2811/