(نسب أديب حسين) في مجموعة قصص (أوراق مطر مسافر) رومانسية الذات الإنسانية في همومها وحيرتها ________________ ابراهيم جوهر – القدس تغوص الكاتبة (نسب أديب حسين) في دواخل شخصياتها لتستجليها وتقف على معانياتها وأحلامها وعلاقاتها الإنسانية الودودة أو تلك المشوّهة العدائية. بهدوء باد في لغتها وإيقاع حركتها تعمل عدسة التكبير لدواخل شخصياتها؛ إنها تنقل معاناة الإنسان وأحلامه بمستقبل يغمره الحب والأمان والهدوء في وطن يعيش فيه الإنسان مثل العصافير التي لا يهمها سوى غنائها في يومها الجديد. وفي سبيل هذه الغاية التي بدت مسيطرة على قصص الكاتبة اختارت شخصياتها من المحيط الذي تتنقل فيه وتعيش وترى؛ فنجد المريض والطبيبة والعاشق الذي لا يعترف بعشقه والعاشقة التي تنتصر لكبرياء روحها فتختار مستقبلها بعيدا عن أسر الذكريات الماضية ، ونقرأ عن لغة الموسيقى التي تجمع بين قلبين ..... شخصيات قصص (نسب أديب حسين) في هذه المجموعة هم أوراق مطر مسافر إلى بلاد أكثر جمالا ودفئا وفهما لمعنى الحياة. إنها تقدّم شخصياتها في واقعهم النفسي والجغرافي والثقافي فهم عماد بنيان مشروعها الإنساني التنويري في هذه المجموعة القصصية. إنها تنتصر لقضايا الإنسان بعيدا عن إشكالات الدم والحرب والسياسة العدائية وكأنها تذكّر القارئ بطريقة غير مباشرة لتقول له: هذه حياتنا الفانية ، فيها المرض والموت والغربة والبعد علينا عيشها بما تستحق منا من حب وإنسانية، والإنسانية هنا نقلتها شخصيات القصص نفسها وأحيانا راوي بعضها على ألا تكون على حساب الآخر. (نسب) هنا تنشد عالما طالما تاق إليه كل واحد منا ؛ عالم الطمأنينة والسلام الروحي والصدق والصفاء. إنها تعبّر عن إنسانيتها الذاتية بأسلوب فني مشوّق يحمل صرخة للمتنازعين في هذا العالم مفادها باختصار: كفى! كفى قتلا للروح في الواقع السياسي والاجتماعي. دعوا الفرد يعيش حياته . واعتمدت الكاتبة في بعض قصصها على الرمز الشفيف كما هو في (شجرة الزنزلخت) صفحة 45. فالشجرة التي نبتت مصادفة بلا تخطيط ولا نيّة مسبقة صارت تمثّل وطنا للعصافير والذكريات وبراءة الطفولة. إنها تاريخ خاص للراوية وعام للحارة التي تفرّق ناسها وأغلق سوقها وتبدلت أحوالها فغاب الأجداد خلف أطرهم الخشبية وزجاج صورهم. القصة بألفتها وحنينها هنا تشير إلى ماض جميل تحرص الراوية على إبقائه . وهذا الماضي جزء من كينونة الحاضر كما الأجداد الذين يراقبون الراوية من أماكنهم بصمت ورضى وتساؤل. وفي قصة (خيمة) صفحة 54 تقيم الكاتبة مقارنة بين مفهومين وثقافتين متعاكستين للخيمة . في نهاية الموقف تسير كل من الفتاتين في اتجاه معاكس وكأنها تشير إلى عدم الاتفاق الحاصل بين طرفي النزاع بسبب الاختلاف في الرؤية والرؤيا والألم. لغة الكاتبة في قصصها هنا هادئة مستقصية تقف عند حدود المعاني وإن عرّجت قليلا على اللغة البيانية بمجازاتها وتشبيهاتها وصورها. وتصل الكاتبة إلى قمة التجلّي الفني في حواريتها الكثيفة بين البحر والصحراء في الصفحات 120 حتى 134 بما تحمله من رموز وأفكار ذاتية خرجت من ذاتيتها إلى عالم الموضوعية الأرحب. في حوارية البحر والصحراء حيث لا إمكانية للّقاء تعجن الكاتبة اللغة الشعرية بلغة النثر الحواري والفكر الإنساني في بعده الوطني . إنها تحاور روح المكان والإنسان ، وتستذكر ما كان وما سيكون وتستعرض ما هو كائن. أحيانا وجدت في حواريتها هذه روحا ذاتية خاصة لا تخرج إلى أبعد من بيتها وصورة والدها، وأحيانا وجدت مقابلة بين مواقف إنسانية عامة، وبين مواقف أخرى خاصة... النص الحواري هنا مفتوح على الاحتمالات جميعها وهو يحمل ما يبرر له هذا الفهم المتشعب ، فكل قارئ يجد فيه ما يناسب تجربته واهتمامه ووعيه. هنا يقف المتابع على تجربة جديدة في الحوار الأدبي تستحق الاهتمام لغة وأفكارا وأبعادا وتصويرا.