أشرت في مقال سابق قبل بضع سنين، إلى أن الحج تظاهرة إسلامية فريدةٌ من نوعها بكل معانيها وقيمها، فهو يمثل تجمّعاً عالمياً إنسانياً؛ واجتماعياً ثقافياً لا مثيل له في العالم بأسره؛ يجتمع فيه أطياف من البشر بصنوفهم ومشاربهم. وقلت إن تلك التظاهرة جديرة باستثمارها إعلامياً وثقافياً لإيضاح الإسلام بأنصع صوره أمام العالم، وأروع مثله في العدالة والمحبة والتكاتف، أو لنقل: بصورة أكثر عمقاً، واستثمارها بما أسميه مفهوم "عولمة الحج إعلامياً"! بما يضمن وصول رسالة إعلامية صادقة ومشرقة عن الإسلام، وتحديداً لغير المسلمين. نشرت ذلك المقال عام 1428 في صحيفة الرياض، وما زلت حتى الآن أجدني حزيناً آسفاً على دور وزارة الإعلام في هذا الجانب، فما زال العمل فيها رتيباً دون ابتكار وتجديد في معظم أحواله، وما زلنا نشاهد تغطيات تقليدية للحج ومناسكه، مع التقدير لكل الجهود التي تبذل. وهنا لن ألوم كثيراً هيئة الإذاعة والتلفزيون؛ فهي ما زالت ناشئة وبحاجة إلى أن تعطى مزيداً من الوقت حتى يصلب عودها، ونحن نعول عليها كثيراً في ذلك والخروج عن النسق التقليدي. الحج فرصة نادرة لا تتأتى لأي دولة في العالم، ويمكن أن تصبح أداة ماضية في تحسين الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين وعن المملكة، لو استثمرت إعلامياً بطريقة احترافية مهنية. خصوصاً في ظل الوضع الراهن الذي شوهت فيه سمعة الإسلام من قبل المتشددين، واستغل ذلك أبشع استغلال من قبل الطاحونة الإعلامية الغربية، التي تتفنن باحترافيتها التقنية في تقديم الإسلام كدين رعب وقتل وتدمير. وقد أخذت المملكة نصيب الأسد من ذلك التشويه الإعلامي المنظم، في مقابل مواجهة إعلامية ارتجالية وقاصرة من قبل وزارة الإعلام ناتجة عن ضعف السياسات والاستراتيجيات الوطنية الإعلامية لديها. نريد من وزارة الإعلام وهيئتها أن يكون لهما استراتيجية منهجية طويلة المدى في استثمار الحج لإيصال الإسلام بصورته الحقيقة، والدخول إلى أعماق القنوات العالمية. نريد أفلاما وثائقية عن الحج ذات إخراج احترافي تبث في القنوات الغربية.. نتتطلع لبث ما يسمى بتنويهات الخدمات العامة (Public Service Announcements) حول الحج وقيمه ومبادئه لتنشر في قنوات عالمية مثل السي إن إن (CNN)، والبي بي سي (BBC) وغيرها في أوقات الذروة.. نريد أفلاما سينمائية مبهرة تقدم فيه قيم الحج ومبادئه في دور السينما العالمية.. نريد تنسيقا لمقابلات مع علماء متمكنون في الدعوة إلى الله؛ يجيدون اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى وإبرازهم في القنوات العالمية الأكثر تأثيرا في العالم.. والقائمة تطول! أجزم أن الوزارة والهيئة قادران على عمل ذلك وأكثر، ولكنهما يحتاجان لإرادة قوية وعزم وإصرار ومنهجية تخطيط فعالة؛ وقبل ذلك قيادات تؤمن بالتجديد والابتكار والعالمية.