قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) «آل عمران - 79». فمن هم الربانيون؟! الربانيون هم الذين آمنوا في أنفسهم، وعرفوا الحق وعملوا الصالحات، وقاموا بتعليم الناس هذا الحق وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. قال ابن القيم رحمه الله: «أجمع السلف على أن العالِم لا يستحق أن يُسمَّى ربانيًّا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلِّمه»، ولا تكون الربانية إلاّ بشروط منها الإخلاص لله والبعد عن الرياء، ومتابعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمحدثات، وتقوى الله ومراقبته في السر والعلن. وأداء الفرائض والإكثار من النوافل، والإكثار من ذكر الله. ما فائدة الربانية؟! * تحقيق السعادة: يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة». * تحصيل العلم النافع: قال تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) «البقرة -282» يقول ابن سعدي رحمه الله: «استُدل به على أن تقوى الله وسيلة إلى حصول العلم». * فتح البركات من السماء والأرض: قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى أَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) «الأعراف - 96». قال الشيخ سعدي رحمه الله: «ذكر أن لو أن أهل القرى آمنوا بقلوبهم إيمانًا صادقًا صدقته الأعمال واستعملوا تقوى الله ظاهرًا وباطنًا بترك ما حرم الله لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارًا، وأنبت عليهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق من غير عناء وتعب ولا كدٍ ولا نصب». * التفريق بين الحق والباطل: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) «الأنفال - 96» قال الشيخ سعدي رحمه الله: «الفرقان هو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل، والحلال والحرام وأهل السعادة وأهل الشقاوة». * وضع القبول في الأرض للشخص الرباني: يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) «مريم - 96». وُدّاً: أي محبةً في قلوب الخلق، وجاء في صحيح الترمذي: «إذا أحبَّ اللهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي قد أَحببتُ فلانًا فأحبَّهُ، قالَ: فيُنادي في السَّماءِ، ثمَّ تنزلُ لَهُ المحبَّةُ في أَهْلِ الأرضِ، وإذا أَبغضَ اللهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي أَبغضتُ فلانًا، فيُنادي في السَّماءِ ثمَّ تُنزَلُ لَهُ البَغضاءُ في الأرضِ». * إجابة الدعوة: جاء في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره». وكان رجل من الخوارج يغشي مجلس الحسن البصري فيؤذيهم فلما ازداد أذاه قال الحسن: «اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت» فخرّ الرجل من قامته فما حمل إلى أهله إلاّ ميتًا على سريره. * حفظ الله العبد من المعاصي: جاء في الحديث القدسي قول الله تعالى: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولأن سألني لأعطينه ولأن استعاذني لأعذينه). فيعصم الله سمعه عن الحرام ويعصم بصره عن الحرام فلا يبقى في قلب العبد إرادة ولا محبة لمعصية الله. * حسن الخاتمة والبشارة عند الموت: جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان من الله وكرامة فليس شيء أحب إليه مما أمامه وأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه». * الفوز بالجنة والنجاة من النار: قال الله تعالى: «وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) «مريم 71-72». نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من الربانيين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. إيمان عبدالقادر باقيس - جدة