د. إبراهيم عباس يعتبر التراث شهادة ميلاد أي شعب التي تثبت متى وأين ولد، بما يعني أن التراث الشاهد الأكثر صدقية والأدق توثيقًا في إثبات العلاقة بين الإنسان والأرض في أي مكان في العالم. ويدخل في مفهوم التراث كل ما يتعلق بعادات الشعوب وتقاليدها وموروثها الشعبي من رقصات وأغان وأمثال وأزياء وأعياد وأكلات شعبية، إلى جانب ما تركه القدماء من آثار ثابتة وغير ثابتة تشهد على جذورهم الحضارية المتجذرة على الأرض منذ الأزمنة الغابرة. وقد شكّل التراث في الحالة الفلسطينية أهمية خاصة لأنه أحد المصادر الأساسية في إثبات عروبة فلسطين منذ الألف الثالثة قبل الميلاد. بل هنالك ما يثبت أن فلسطين كانت مأهولة بسكانها من الفلسطينيين القدماء منذ الألف السابعة قبل الميلاد، حيث يوجد في المتحف البريطاني في لندن في صالة "فلسطين القديمة" مقبرة تضم هياكل عظمية لسبعة أشخاص كانوا يعيشون في مدينة أريحا القديمة أمكن معرفة تاريخها من خلال الكربون المشع بأنها تعود إلى 7000 سنة قبل الميلاد، عندما كانت أريحا في ذلك الوقت مدينة مسورة يتوسطها برج دائري ويمارس سكانها (النطوفيون) الزراعة والصيد، ويستخرجون من البحر الميت القار الذي استخدموه في العديد من الأغراض. لذا فليس من المستغرب أن تحارب إسرائيل الفلسطينيين في تراثهم بمحاولة سرقته وإدعاء ملكيته، والبحث - في ذات الوقت - عن أي آثار، خاصة في القدس، يثبت أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون، وهو ما يفسر أيضًا حفرياتهم تحت المسجد الأقصى وحوله منذ استيلائهم على المدينة المقدسة بعد حرب يونيو (حزيران) 67، حيث باءت كافة تلك المحاولات بالفشل. يمكن القول، استنادًا إلى ما سبق، إن التراث في الحالة الفلسطينية لا يعتبر سلاحا من أسلحة المقاومة وحسب، وإنما أيضًا سلاح من أسلحة البقاء والوجود والحقيقة. كتابتي عن سلاح التراث هذا الأسبوع ليس فقط بمناسبة احتفال الفلسطينيين في مناطق السلطة في السابع من أكتوبر من كل عام بيوم التراث الفلسطيني من خلال الأغنية الشعبية والموال والميجنا والدلعونة، ومن خلال الدبكة والثوب الكنعاني وبكرج القهوة، وإنما أيضًا بمناسبة بدء موسم قطاف أشجار الزيتون، وباعتبار أن شجرة الزيتون تشكل بمفردها أحد شواهد عروبة فلسطين، بما تعكسه من الروح التراثية للحضارة الكنعانية. وهو ما يفسر حرق الإسرائيليين لآلاف أشجار الزيتون واعتداءات المستوطنين المتكررة على الشباب الفلسطيني والأجانب المتعاطفين معهم الذين يتطوعون في كل موسم قطاف لجمع الزيتون في تحد صارخ لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. الحرب التي تشنها إسرائيل ضد شجرة الزيتون جزء من الحملة المتواصلة على التراث الفلسطيني الذي لا سبيل للشعب الفلسطيني التخلي عنه، لأنه أحد المكونات الأساسية في شخصيته الحضارية.