من المعلوم أن (الأفكار) تظل حبيسة جدران الوعي حتى تتهيَّأ لها الفرصة للخروج إلى حيز الوجود، عندها تتحول لتصبح (أفعالاً) تكتسب صفة التأثير في دائرتها التي تتواجد فيها، وربما تخطَّتها لتشمل دوائرَ أوسعَ. بدءًا نتفق على أن الأفكار لا يمكن رؤيتها ما لم تتمثَّل أفعالاً على أرض الواقع، ونتفق أيضًا على أن الأفعال -وحدَها- يمكن رؤيتها ومن ثَّم الحكم عليها. تعالوا ندلف إلى عالَم الأفعال التي اتفقنا آنفًا على أنها وحدها التي يمكن مشاهدتها، والحكم على أثرها سلبًا أو إيجابًا، وسنرى إن كانت هذه الأفعال في حال وضوح دائم، أم أنها تظهر مرة وتختفي أخرى بحسب طبيعة الموقف، وبحسب قوة البصيرة والبصر لدى الرائي، وبحسب الأجواء التي تكتنف تلك الأفعال حال وقوعها. بين يوم وآخر تتكرر بعض المناسبات التي تتخذ لها شعارات جذابة وتسعى لأهداف نبيلة لا يعتريها الشك، ويتم العمل الجاد على إبراز هذه الشعارات في قوالب جيدة ومتجددة، وتستمر تلك المناسبات أيامًا وليالي تحفل بالمتعة والإثارة والجمال، ويُقدَّم خلالَها للجمهور وجباتٌ متنوعة من الغذاء الفكري والإبداع الثقافي والفني..إلخ في قوالب متنوعة. ولأن لكل عمل أيًّا كانت درجة إتقانه (بعض السلبيات) التي تظهر -أحيانًا- بحكم ضخامته، أو بحكم نزق بعض الشباب، أو تشبُّب بعض الكهول، أو حصول بعض التراخي غير المقصود، فإن الأعين دون شك سترى تلك السلبيات التي لا يمكن إنكارها أو نفيها -خاصة في ظل وسائط التقنية الحديثة التي جلَّتِ الحقائقَ وشهدت بالحق- وهنا تغلب الحماسة أحيانًا على العقل فيندفع بعض المتحمسين ليدفعوا -بظنهم- تلك السلبيات بطرائق قد يكون ضررها أكبر من نفعها، وقد يكون زمانها ومكانها غير صالحَين لحصولها. وهنا نصل إلى المقصود، ممثلاً في السؤال التالي: كيف غابت (الأفعالُ السلبية) عن أعين القائمين على تلك المناسبات والمتابعين لها، وظهرت لأعينهم وبجلاء (ردودُ الأفعال) على تلك الأفعال السلبية؟ لعل هذا الاضطراب في الرؤية يؤسس لنظرية جديدة تنص على أن هناك أفعالاً (لا يمكن رؤيتها) على الرغم من اتفاقنا مسبقًا على أن الأفعال (جميعَها) يمكن رؤيتها! تعالوا بنا إلى أروقة بعض الأجهزة الحكومية عبر بواباتها المطرَّزة بشعاراتٍ وعبارات ذات مضامين تجلب السرور لأفئدة مراجعيها، تلك الأجهزة الحكومية -جميعها- يمكن بوضوح رؤية إنجازاتها المتحققة سواء كانت الرؤية بعيون المراجعِين أو بعيون المسؤولِين عن تلك الأجهزة، غير أن ما لا يمكن رؤيته – بعيون بعض المسؤولِين عن تلك الأجهزة- هو بعض مظاهر القصور في عملها. دعوا المناسبات وبعض الأجهزة الحكومية وانطلقوا إلى الوليدة (هيئة مكافحة الفساد) في صرحها العظيم . الهيئة بدأت بلمم الفساد على حساب كبائره، وبدأت بتعقُّب صغار السمك على حساب هواميره، حتى وصل بها الأمر لتعقب المدَّاحِين! وعلى هذا تكاثرت الأسئلة على هيئة مكافحة الفساد حينما رأت بوضوح فسادًا متناهي الصغر لا يمكن رؤيته إلا بأجهزة خاصة ولم ترَ فساداً أكبر ل(هوامير) فضحتْهُم مشاريعُهم الوهمية على حساب الوطن الحبيب والمواطن الذي قطَّع دهره بالأماني؛ علَّ رحمة تهبط من السماء على قلوب هؤلاء الهوامير فيُتِمُّوا مشاريعهم ولو خداجًا! لا أجد للهيئة عذرًا في قلبها لمعادلة الرؤية اللهم إلا إن كانت تسير على قاعدة (اضرب الصغير يرتدع الكبير)! أما أعجب ما في معادلة الرؤية فهو ولادة عيون ضخمة ذات رؤية بصرية حادَّة فاقت زرقاء اليمامة، وذلك عندما رأت تلك العيون (أفكارَ) البعض وأوَّلتْها -بحسب زعمها- إلى مخاطر يجب اجتثاثها، في الوقت نفسِه عمِيت عن (أفعال ظاهرة) لبعض رموز الفساد وعدَّتها اجتهادات مُغتفَرَة!! [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain