أشار معهد ابحاث اميركي الى انعدام الثقة المتجذرة في العلاقات بين ايران واميركا مستنتجا انه بدون ردم الهوة القائمة في هذا الخصوص بين الجانبين لا يمكن التوصل الى اي اتفاق نووي. واشنطن (فارس) ونشر معهد ابحاث ترومان الاميركي مقالا بقلم "كريستين كوبر" جاء فيه "في 20 يناير 2009، القى الرئيس الاميركي باراك أوباما كلمة تضمنت إشارة خفية ومهمة للغاية - تلك الرسالة التي كان يامل ان تؤدي الى تحسين العلاقات بين بلاده وايران، رغم ان واشنطن كانت قد صعدت من هجماتها السايبرية ضد البرنامج النووي الايراني". وهذه البداية التي جاءت على خلفية استعراض للقوة بين البلدين، كانت بمثابة لمسة فرشاة في فسيفساء انعدام الثقة المتبادلة بين الجانبين، والتي زادت بشكل متنامي منذ ان صنف الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن ايران في محور الشر عام 2002. الخطر الحقيقي هو أن هوة انعدام الثقة المتبادلة واسعة الى درجة أن الموافقة على البروتوكول الإضافي، الذي لا شك انه بعد المفاوضات الاخيرة سيكون على الطاولة في نوفمبر تشرين الثاني، قد يكون له عواقب كارثية. فان كان الجانبان يتطلعان الى الحصول على فرصة للتوصل الى قرار حقيقي ومستديم فان عليهما ان يقوما بخطوة لانقشاع ضباب عدم الثقة. * رسالة اوباما هي رد على رسالة عام 2003 الايرانية لاميركا ؛ الرسالة المبطنة لأوباما جاءت بعد 12 دقيقة من بدء كلمته، اي حين تطرق إلى السياسة الخارجية وختم عبارته بكلمتين موجهتين مباشرة إلى إيران. لاشك ان هذه العبارة اثارت دهشة "اسرائيل" وانتباه المسؤولين في طهران، وكانت ردا مناسبا على رسالة جرى تسليمها عام 2003 من قبل قناة الاتصال الوحيدة بين واشنطنوطهران اي السفارة السويسرية. ولاشك ان الدبلوماسي السويسري تيم غولديمان كان شخصا مناسبا، فهو متعلم تعليما عاليا، ودقيق وبارع ليس فقط في ايصال الرسالة، بل ولهجتها ايضا. لقد كان غولديمان سفير سويسرا في طهران 2001-2003، وفي مايو 2003 سلم وثيقة من صفحتين إلى وزارة الخارجية الأميركية تنطوي على تنازلات كبيرة من قبل إيران في خصوص مجموعة من المواضيع، وان كانت قد وضعت شروطا عديدة في المقابل. * ايران تتطلع الى الاحترام المتبادل ؛ وبمنأى عن ما جاء في الوثيقة التي كانت منسية لفترة طويلة، فمن الملاحظ أن إيران استخدمت مرارا وتكرارا عبارة "الاحترام المتبادل". وإذ اشاد اوباما بهذه العبارة في كلمته الافتتاحية، فقد أرسل ردا واضحا من الادارة الجديدة: "تلقينا الرسالة، علينا التحاور معا." وفي الوقت نفسه، فان الهجمات السيبرانية المستمرة التي انكشفت عام 2009، كانت مؤشرا على انه ورغم اولوية المفاوضات، الا انه لا يوجد هناك الكثير من الامور التي لا تكون في متناول القوة العسكرية والاستخباراتية الامريكية. تشديد الحظر ايضا كان خطوة من هذا القبيل لارغام طهران على الجلوس الى طاولة المفاوضات. وحين وصل وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أحد معدي اقتراح طهران عام 2003 الى جنيف، بدأ محادثات كان ينتظرها منذ عقد من الزمن. * البروتوكول الاضافي قد ينحرف عن مساره ؛ ورغم ذلك فان هذه المحادثات تضررت كثيرا بسبب عقود من انعدام الثقة المتبادل. العقبة الرئيسية التي قد تشكل حجر عثرة امام الغرب في الجولة المقبلة من المفاوضات المقررة في نوفمبر تشرين الثاني، وعلى الأرجح ستكون موافقة ايران على البروتوكول الإضافي للوكالة، هذا في حين أن مشكلة طهران تكمن في الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم الى ما لا يقل عن 5 في المئة - المستوى المطلوب للمفاعلات النووية. وهذه هي المشكلة الاساسية القائمة لحد الان، ولكن هذه المشكلة بحاجة الى فهم دقيق وصحيح للبروتوكول الإضافي وكيف يمكن ان يذهب في المسار الخاطيء بسرعة جدا لكلا الجانبين. البروتوكول الإضافي (AP) يوصف بهذا الاسم لأنه يفسح المجال ام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لان يقوموا بعمليات تفتيش المنشات النووية لبلد ما تتخطى حدود مهامهم المنصوص عليها. الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلك هذه القوى بموجب اتفاق الضمانات الذي وقعته جميع الدول التي لا تمتلك الأسلحة النووية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. * مع انعدام الثقة، البروتوكول الاضافي سيزيد من المشاكل القائمة ؛ الهدف من البروتوكول الاضافي هو تقويض القدرة على تطوير اسلحة نووية سرا الى جانب الأنشطة النووية السلمية التي يتم تحديدها من قبل دولة ما. ويقوم البروتوكول الاضافي بتحقيق هذا الهدف عبر اسلوبين: أولا، يجب الكشف عن معدات وأنشطة كل بلد بشكل دقيق لكي يتم تحديد نشاط اي عنصر ضمن عناصر سلسلة التوريد النووي، وثانيا، إضافة "الوصول المتمم" للتحقق من صحة اي إعلان. وكل اسلوب من هذين الاسلوبين سيثير مشاكل خاصة نظرا الى الحالة الراهنة من انعدام الثقة المتبادلة بين الجانبين. العد والكشف عن جميع تفاصيل سلسلة التوريد النووي هو أشبه بعد الأسلحة الكيميائية السورية: القيام بهذا العمل مستحيل تقريبا، لان كل جزء يتم التغافل عنه سيثير المشاكل. افترضوا انه الى جانب عملية التفتيش التي تقوم بها الوكالة الذرية لموقع ولا تتعدى الساعتين، هناك قسم حقيقي لم يكشف عنه في هذه السلسلة. قد يكون هذا الامر من قبيل الصدفة، او بشكل متعمد، وربما هو مجرد خطأ طفيف، ولكنه مع ذلك يشكل انتهاكا للقانون. * اي خطأ من قبل الجانبين سيؤدي الى فوضى اعلامية ؛ في مثل هذه الظروف، هناك برنامج خاص في الوكالة الذرية يجب ان يطبق، ولكن هذه العملية التي يجب ان تطبق في اطار مجلس الامن الدولي ستضيع في خضم عناوين الاخبار التي ستزيد من الصخب للمطالبة برد فعل حازم. توسيع الصلاحيات التي تجعل من البروتوكول الاضافي أداة فعالة في الكشف عن الأنشطة النووية السرية هو الشيء نفسه الذي يحكم عليه بالفشل على الصعيد العالمي، حيث كل طرف ينتظر ارتكاب خطأ من الجانب الاخر. لذلك فان تعزيز حسن النية أمر بالغ الأهمية قبل عقد مفاوضات جنيف. هناك طرق عدة يمكن للولايات المتحدة من خلالها إثبات حسن نواياها بتكلفة مادية وسياسية ضئيلة. اوضحها خفض الحظر الاقتصادي الاخير الذي ترك تاثيرا سلبيا غير متكافيء على الكثير من الناس. كما ان اتخاذ خطوات محددة لخفض الحظر على الادوية والغذاء يمكن ان يشكل نقطة انطلاق جيدة. وفي الواقع ان اي اجراء يمكن ان يشكل خطوة الى الامام. * على اميركا ان تكون السباقة في التغيير وبناء الثقة ؛ السباق للحصول على دعم كل الأطراف أمر مفهوم، ولكن تحقق مثل هذا الهدف وفي احسن الأحوال سيكون غير ناضج وفي اسوأ الحالات قد يكون خطيرا. فخطر انتهاك البروتوكول الإضافي، حتى خرق طفيف جدا، في الظروف الحالية هو محتمل بشكل كبير. لا أحد يستطيع أتخاذ خطوة إلى الوراء في حين يقف الجميع وظهورهم باتجاه الجدار. فعلى اميركا أن تكون السباقة عن طريق اثبات حسن نواياها، مهما كانت الخطوة صغيرة، من خلال الغاء بعض الحظر، لترسل رسالة واضحة إلى إيران مفادها ان رسالة عام 2003 وان وضعت جانبا الا انها لم تفقد. يمكننا معالجة هذا التهديد، وافضل وقت هو الان، ولكن يجب أن نعرف أن خطأنا الأول على صعيد اعتماد البروتوكول الإضافي دون الاخذ بنظر الاعتبار لانعدام الثقة القائمة بين الجانبين سيكون خطأنا الأخير. لايمكننا تفويت هذه الفرصة، لاننا لا نملك فرصا كثيرة. /2336/ 2811/