تفترض القراءة السيميولوجية أن المنجز الأدبي ينطوي على وحدات مترابطة (العنوان/الاشارات/الاخراج/الصور) يتم ملاحظتها جرّاء درك المعنى المختبئ خلف العناصر اللغوية و البصرية ،والتي تتجلى في ضوء عمليتي التفكيك والتركيب وإعادة الإنتاج بعيداً عن علاقة النص بمؤلفه و واقعه الخارجي أو بأي إحالات خارجية أخرى تستدعي الخروج عن بنية النص السطحية و العميقة.. في خضم توصيفات الحقل السيميولوجي تأتي قراءة النص الشعري للدكتورة أسماء غريب (ناقدة ومترجمة من المغرب ) الموسوم ب (مقام الخمسة عشرة سجدة) والذي صدر عن دار / نووفا إيبسا إيديتوره/ ايطاليا 2013م باللغتين العربية والايطالية يتصدره تقديم للدكتور ايمان منسوب بصيري.،وقد اشتمل على اربعين قصيدة تندرج بمجموعها تحت العنوان الرئيس وتتباين فيما بينها عبر العنوانات الفرعية ،ولكلٍ دلالته وعلاقته بما يحكي عنه من مضمون وان كان بعد ذلك تتماهى العنوانات الفرعية في جسد النص . 1 الغلاف/العنوان يمثل الغلاف عتبة النفاذ الأولى للقارئ بما يحتويه من (العنوان/اللوحة) وفق إخراج طباعي متراتب،حيث جُعل العنوان في أعلى الغلاف ثم جاءت اللوحة بمستوى أدنى ،مما يبدو ان العنوان يشير الى مدلول اللوحة بإشارة اعتباطية ،فيضع أمام القارئ عدة إحالات متداخلة ،ثم في الجانب الأسفل جاء التجنيس (مجموعة شعرية). اشتمل غلاف المجموعة على لوحة تم اختيارها مقاربة مع العنوان وهي من لوحات الشاعرة نفسها تنتمي الى الرمزية التجريدية ،فاللوحة باعتبارها علامة ايقونية تثير لدى القارئ هاجس التأويل والاحتمالية والتخمين،كما انها تربط القارئ بسياقات تاريخية ومرحلية و تختزل جوانباً غير معلنة في النص،فالمقام هو المقر والموضع حسب الدلالة المعجمية ،وعليه يتحول الدال اللغوي دالاً بصرياً يوحي الى المقام المرئيي الذي تتم فيه الخمسة عشرة سجدة ،كذلك تؤكد اللوحة التفاعل النفسي حال السجود مع المكان وتحث ضمناً على الانتقائية بصورة تساعد الذات على الحضور والجذب ،فهناك ترابط وثيق بين الذات والمكان قد اشارت اليه اللوحة في الوقت الذي صرفت كلمة (مقام) من دلالتها المعجمية الضيقة كي تؤسس فضاء اوسع تتحرك فيه المفردة بكل معانيها ودلالاتها الحسية واللاحسية وتمد جسوراً بين الغيب والشهود عبر مزيج من الالوان الداكنة التي تجعل من السماء أفقاً كثيفاً يقترب من أرضية الكون وكثافتها بخلاف اللون الازرق الذي يحاول ان يوهم بالابتعاد والخفاء ... مقام الخمسة عشرة سجدة هو عنوان فرعي لقصيدة مطلعها: قال : لا شأن لك بالحلاج وأهله قلتُ : لمَ؟ قال : قيل عنه قُتل لأنه باح بالسرّ. ثم اختير هذا العنوان ليجعل دالاً على المجموعة بأسرها لاعتبار ان بعض النصوص تنطوي تحت الاطار الغائي وتتحرك بغية الوصول الى مقام معلوم تُستجمع فيه الكمالات الوجودية وعلى اتم وجه وهو (مقام الخمسة عشرة سجدة) واقتربوا مني اليوم جميعكم وادخلوا مقام محبتي لكم مقام الخمسة عشرة سجدة .. حينما يقرأ العنوان بوصفه (مفتاحاً اجرائياً في التعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي) يتقرر الكشف عن تركيبته وما ينطوي عليه من دلالات،فعنوان المجموعة جاء وفق صياغة اسمية تامة الدلالة تحاول ان تبعث في القارئ هاجس التنقيب عن شعرية السفر وتحسس لذة القرب والوصل ،وتحيل الى معنى جمالي في النص مشحون بالتأمل والذوق ومتعة السؤال عن المحددات العددية،الا ان ما يسجل حول صياغة العنوان هو كون العدد المركب وفق ما تقرر في التقعيدات النحوية يختلف جزئه الاول عن المعدود من حيث التأنيث والتذكير،وعليه تتم صياغة العنوان بالشكل الآتي(مقام الخمس عشرة سجدة) ،لكن ما يشفع في تجويز هكذا صياغة هو ما يتضمنه العنوان من رؤية تراتبية . ان اختيار العنوان يؤكد ارتباط محتوى قصيدة (مقام الخمسة عشرة سجدة) بقصائد أخرى عبر معاقد سيميولوجية ثلاثة (السر/العشق/القرب) . ولست بسرّ ولا بسرّ سرّ وليس لي خاصة ولا خاصّة خاصة لي أولياء ولي أصفياء لي عشاق ومحبون وأصدقاء ولي مجانين وفقراء لا يستطعمون ثراء إلا بذكر اسمي وفي القرب مني.. تحيل هذه المعاقد الى استجلاء بنية النص السطحية ومدى ارتباطها مع البنية العميقة ،وكأن النص يسعى من خلالها نحو التجاوب مع إمكانيات القراءة التأويلية. 3 العنوان/ النص (مقام البدر والشمس) وجهُ كالبدرِ يخرجُ من وجهكِ يقول لكِ: أحياناً لا تكفي الحياة بأسْرِها كيْ يعرفَ المرءُ منْ هُو أو كيفَ يكونُ وجهُه الحقيقي؟ وجهُ كالشمسِ يخرجُ من وجهكِ يقول لكِ : دعيني أقبّلكِ دعيني أحنو عليكِ دعيني أراقصكِ دعيني أذوب فيكِ عشقا تنظرينَ إليه حائرةً وتقولين له: "من أنتَ؟" يجيبك:أنا وجهُكِ الذي قضيتِ العُمرَ كله تبحثين عنه. تنظرينَ إليه مرة أخرى تبْحَثينَ عنه وتجدينَه وقدْ صار شعلة زرقاء تُتَوّجُ جسدكِ وشمعة خضراء تضيءُ قلبكِ. ان العلاقة بين العنوان الرئيس والعنوان الفرعي(مقام البدر والشمس) تكمن في تتبع المعاقد الثلاثة بين محتوى قصيدة (مقام الخمسة عشرة سجدة) ومحتوى قصيدة (مقام البدر والشمس) ،فالمقابلة بين (البدر/الشمس) تعني مقابلة العابر مع المقيم،اذ البدر يرمز الى مرحلة القلق وحيرة البحث والسؤال،والشمس ترمز الى مرحلة الوجد والعشق الدائم الذي يتيح للآخر حالة القرب والانطواء تحت مقام المحبة (مقام الخمسة عشرة سجدة) ،من هنا يبدو ان العنوان الرئيس يحفز على سؤال المعنى الذي طالما يرافق القارئ ويجعله يترقب توقعات عدة، الا انه في قصائد أخرى يباغت القارئ فلا يعكس أفق توقعاته بقدر ما يمارس الايهام والاستدعاء التأويلي عبر ما يكتنزه من وجهات قرائية متنوعة، فيعمد الى استفزاز القارئ واثارته وارغامه على دخول عالم النص ،وحينئذٍ تتماهى التصورات الاولية وتنهدم فتظهر معانٍ مغايرة تتشكل في ضوء العتبات الداخلية. أسامة غالي / العراق متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية