القت الفضائح التجسسية الأميركية ظلالها على الحلفاء التقليديين للبيت الأبيض ما جعل ساسته في حرج لتبرير أفعالهم، فتارة يحاولون كسب ود من فقد ثقته بهم وأخرى يتبعون أسلوب التهديد معهم. طهران (فارس) والصفعة القاسية التي تلقتها واشنطن بعد الفضائح التي دوت أصداؤها في جميع أرجاء العالم إثر الحقائق التي أفشاها إدوارد سنودن حول التجسس الأميركي الذي طال صديق الولاياتالمتحدة قبل عدوها، قد زعزعت هيبة المسؤولين الأميركان وذهبت بماء وجوههم وهي لا تقل شأناً عن الأضرار التي لحقت بهذا البلد عند تعطيل الحكومة الفدرالية قبل أسابيع. وبعد مضي أكثر من شهر على هذه الفضائح فالحكومة الأميركية التي تواجه انتقادات لاذعة من قبل حلفائها ما زالت تحاول تبرير أفعالها بذرائع عديدة. ففرنسا استدعت السفير الأميركي في باريس وأعربت عن سخطها بعد أن علمت بالتجسس على ملايين الاتصالات للمواطنين الفرنسيين والتي لم تكن تمت بأدنى صلة للإرهاب حيث تجسست الإدارة الأميركية على أكثر من سبعة ملايين مكالمة هاتفية في فرنسا منذ العاشر من كانون الأول / ديسمبر عام 2012 حتى الثامن من كانون الثاني/يناير عام 2013 فقط اعتماداً على برنامج يحمل عنوان (US-985D) كما شمل هذا التجسس حتى الرسائل القصيرة فضلاً عن التجسس في شبكات الإنترنت. والطريف أن المتحدث باسم البيت الأبيض وصف هذا الأمر بأنه طبيعي وقال: جميع البلدان تتجسس على بعضها البعض! ولكن الأزمة تفاقمت بين باريس وواشنطن لدرجة أن الرئيس باراك أوباما اضطر لتهدئة نظيره الفرنسي عبر اتصال هاتفي مع هولاند وقال له: الأساليب التي اتبعناها سابقاً كانت تهدف إلى جمع المعلومات والمسؤولون الأميركان يحاولون توفير الأمن والحفاظ على معلومات المواطنين. لكن هولاند أجابه إجابة عنيفة قائلاً: إن هذه الأعمال لا يمكن قبولها تجاه الأصدقاء والحلفاء لأنها تمس بوجاهة المواطن الفرنسي. وكذا هو الحال بالنسبة لألمانيا الحيلفة التقليدية لواشنطن حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة بلهجة نقد أن برلين تمتلك معلومات تشير إلى أن الأميركان تنصتوا على مكالمات المستشارة أنغيلا ميركل، والحكومة الألمانية بدورها طالبت واشنطن بتقديم إيضاحات فورية وشاملة لهذه القضية. والشيء الغريب أن "شبيغل" الألمانية قد أكدت أن الأميركان كانوا يتجسسون على مكالمات ميركل منذ عام 2002 أي قبل أن تصبح زعيمة للبلاد! وميركل بدورها قالت: هذا العمل يثير تساؤلات حول ثقة الألمان بالأميركان... وأكدت أنه لا يختص بها فحسب بل يمس جميع المواطنين الألمان والتجسس على الأصدقاء هو أمر لا يمكن قبوله بوجه. وقد شمل التجسس الأميركي العديد من البلدان الحليفة لواشنطن وسائر بلدان العالم، بما في ذلك التجسس على الرسائل الإلكترونية لرئيسة البرازيل والرئيس المكسيكي السابق والرئيس الحالي، لذا طالبت الحكومة المكسيكية واشنطن بتقديم إيضاحات مقعنة حول هذه الفضيحة. وإيطاليا هي الأخرى لم تستثن من هذه القضية حيث تعرض المواطنون الإيطاليون لتبعات التجسس الأميركي، وكذا هو الحال بالنسبة إلى جارتها أسبانيا التي استدعت السفير الأميركي. والصين التي تبعد آلاف الكيلومترات عن الولاياتالمتحدة كذلك لم تسلم من تجسس الأميركان الذين تمكنوا من التغلغل لسرقة معلومات سرية للغاية وهونغ كونغ أيضاً تعرضت لهذه القرصنة العالمية. أما الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيدوف الذي كان يتزعم الغريم التقليدي للولايات المتحدة فقد تعرضت اتصالاته السرية للغاية للقرصنة أيضاً عندما كان في لندن أثناء حضوره اجتماع قمة العشرين. ولحد هذه اللحظة فقد تم إفشاء تجسس الإدارة الأميركية على 21 بلداً و35 زعيماً ومن هذا المنطلق بدأت ألمانياوالبرازيل نشاطات دولية للتصدي لهذه الفضيحة التي ذهبت بماء وجه واشنطن ومن ثم انضمت إليهما سائر البلدان بما فيها فرنسا والمكسيك اللتان تربطهما علاقات حميمة مع البيت الأبيض حيث تسعى هذه البلدان الى إصدار قرار من مجلس الأمن ضد الولاياتالمتحدة. أما ردة فعل واشنطن قبال ما يجري فهو مثير للسخرية فتارة يقدمون اعتذارهم لحلفائهم ويذكرون مبررات سخيفة لما فعلوا، وتارة أخرى يهددون ويتوعدون بعبارات وألفاظ مختلفة تنم عن تخبط في السياسة الأميركية بعد هذه الفضيحة التي زعزعت موقفها أمام العالم برمته. /2336/