أكد فضيلة الدكتور محمد حسن المريخي أن العالم أصبح مليئاً بالحروب والصراعات وما تكاد الحروب تخمد في بقعة منه حتى تشتعل في مكان آخر، وتساءل في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، ما الذي سبّب هذا ؟ ومن وراء هذه الفوضى ؟ ومن المستفيد ؟ ومن الخاسر ؟ ومن المُحق ؟ ومن الفاجر ؟ . وقال: إنه لا يوجد على وجه الأرض من يعرف المتسبّب في هذا كله بعد الله سبحانه غير المؤمن بالله واليوم الآخر الذي يعلم ذلك من كتاب ربه وسُنّة رسوله، قال تعالى: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) . أما غير المؤمنين من البشر فإنهم لا يفعلون شيئاً، وأنى لهم الذكرى وقد كفروا وحرّفوا ما جاءت به الرسل (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). وأكد أن سبب هذه الفوضى التي تملأ الأرض اليوم هو الإعراض عن الحق الذي أرسل الله به الرسل والشرود عنه والتعلق بالباطل والدنيا والرضى بالشرائع والمناهج الآدمية والقوانين الوضعية قائدة وموجهة، والثقة بها، والركون إليها مع ظهور النتائج المخيّبة مرات ومرات لمن اعتمد عليها . وأشار إلى أن أهل الدين الموفقون يُبصرون الأمور على حقيقتها لا يتخبّطون ولا يتجرؤون ولا يرتجلون الأمور ارتجالاً وذلك لما أعلمهم الله من الوحي وما بصرهم به من اتباع الحق . ولقد حث الله تعالى العباد على اتباع الحق الذي جاءت به الرسل فقال: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). وقال عن رسوله وعبده محمد عليه الصلاة والسلام: (وإن تطيعوه تهتدوا)، وقال تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم حاثاً أمته على الاتباع ومحذراً من الإعراض عما جاء به من عند ربه عز وجل فقال: ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب (الأرض الصلبة) أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في الدين ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به). ( رواه البخاري ) وبيّن الله تعالى أجر من اتبع الحق وعمل به وبشّره في الدنيا والفوز بالآخرة. يقول تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) . وقال تعالى عن المعرضين: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) وقال: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، يعني ومن يُعرض ويتعامى عن الحق عامداً متعمداً نسلّط عليه شيطاناً يقوده بأمره وينهاه ويضله .. عقوبة له، ولهذا تجد كل من أعرض عن الدين والسنّة يتولاه شيطان يرسم له فكره ومنهجه، يقول تعالى: (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ، مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ، خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا). وأضاف: الحق واحد لا يتجزأ فلا يمكن أن يكون عند فريقين أو شخصين إنما يكون عند واحد وعند غيره الضد، فإذا كان الله تعالى قد شهد بأن الحق مع رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الباطل عند كل من خالف محمداً رسول الله (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ) . وهذا الحق عباد الله ثابت لا يتغيّر، قد يخفى على البعض فلا يصلون إليه إلا بعد مدة مقدّرة لكنه يبقى ثابتاً مهما طال الزمان وتعدّدت القرون، وهو عزيز مصان يبحث عنه الناس ولا يبحث عنهم، ويقصدونه ولا يقصدهم، وهو مقام رفيع لا ينال مع الإضراب عن طلبه وعدم التشوف والتشوق إلى سببه.