علي ناجي الرعوي تتصاعد أعمال العنف الناتجة عن الفلتان الامني وفوضى انتشار السلاح بشكل لم يسبق له مثيل في الساحة اليمنية وآخر هذه الاحداث ما صاحب مؤتمر الحوار الوطني الذى يعكف منذ 18 مارس الماضي على رسم خارطة مستقبل اليمن من حوادث متنقلة بين مختلف المحافظات والمناطق والتى توزعت بين الاغتيالات واعمال التقطع والخطف والنهب بالاكراه، وبين تفجير انابيب النفط والغاز وغيرها من الافعال الاجرامية التى اضحت تتصدر يومياً العناوين الرئيسية للصحافة اليمنية. مما لاشك فيه ان هناك اسباباً عديدة تقف وراء هذا التصاعد في معدلات الجريمة والانحدار الامني في اليمن قد يكون من ابرزها الاحتقان السياسي والاجتماعي، والتدهور الاقتصادي وضغوط الحياة المعيشية في ظل تفشي عوامل الفقر والبطالة والانفجار السكاني وانخفاض معدلات الدخل غير ان هناك من يربط بين تصاعد العنف في معظم المدن اليمنية، وفوضى انتشار السلاح بعد ان كان حمل السلاح في اليمن مقتصراً على بعض رجال القبائل في المناطق الريفية فيما كانت المدن كصنعاء وغيرها (هجرة) وهو مصطلح بالعرف القبلي يمنع دخول المسلحين بأسلحتهم الى المدن كما يحرم اخذ الثأر فيها لكن هذا العرف تلاشى واختفى لتصبح المدن بما فيها مدن كتعز والحديدة وعدن والتى يغلب على حياة سكانها السلوك المدني تزدحم بمن يحملون السلاح ويتمنطقونه بل وصار من المألوف مشاهدة المسلحين يتجولون في شوارع صنعاء، ويرتادون اسواقها ويقومون بأعمال الخطف او الثأر من دون خوف او خشية. وبصرف النظر عن دوافع حمل السلاح ولماذا غاب دور الدولة في تنظيم حيازة وحمل السلاح ومسؤولية المجتمع في مواجهة هذه الظاهرة التى اثبتت كل المؤشرات انها اصبحت من الوسائل المعيقة للتنمية والتطور والاستقرار فإن ما يبدو مستغرباً، رغم ازدياد وتفاقم الوضع الامني وما آلت اليه الامور من خطورة على صعيد السلم الاجتماعي هي حالة التعتيم من قبل الاجهزة الامنية التى تكتفي بالتنديد دون الكشف عن مرتكبي هذه الحوادث رغم معرفة هذه الاجهزة بأ ن استشراء العنف سيتجه بالبلاد نحو انفلات لا تضبطه قواعد وانه قد يعصف بالتقدم الذي يحرزه مؤتمر الحوار على صعيد اخراج اليمن من نفق الازمات. والى أن تتضح الصورة فمن الاهمية ان تدرك الاطراف الفاعلة على الساحة اليمنية انه وما لم يتخلص وطنها من فوضى انتشار وحمل السلاح ويصبح هذا السلاح فقط بيد الدولة فإن كل المحاولات المبذولة لترسيخ عوامل الامن والاستقرار والحد من الجريمة ستظل تصطدم بدويلات المليشيات القبلية والكيانات التى تستمد هيمنتها وقوتها من قوة السلاح الذى تحتفظ به عند أي مواجهة سياسية او جهوية او مذهبية كما هو الحاصل اليوم في محافظة صعدة الشمالية التى تشهد حربا طاحنة منذ عدة اسابيع بين العناصر الحوثية المسلحة والجماعة السلفية المتمركزة في منطقة دماج وهي الحرب التى وما لم تسارع الحكومة الى وضع نهاية لها فإنها قد تفرز صراعاً جديداً وفتنة لا تحمد عقباها التى ولابد ان الجميع قد سمع عن مثلها في بلدان عربية اخرى كانت تظن انها في منجى منها قبل ان تجد نفسها تسقط في محرقتها وتكتوي بنارها المستعرة لتنهك ما بقي من الدولة وما بقي من مواطنيها. وفي الوقت الذي ينتظر فيه اليمنيون ما سينتهي اليه مؤتمر الحوار الوطني من نتائج وخارطة طريق للمستقبل فإن عليهم وقبل الاحتفاء بهذه التجربة الفذه ان يعملوا جميعاً على لجم الجريمة والانفلات الامني وتعزيز عوامل الامن والاستقرار ليتسنى لهم التفرغ لإعادة بناء وطنهم على اساس سليم بعيداً عن تلك الظواهر التى تحول دون وصولهم الى الحياة الكريمة..