يخوض الناس اليوم في أحاديث شتى، تهمهم وقد لا تعنيهم، التي تختص بهم، وما ليس من اختصاصهم! أشغلتهم عن بناء مجتمعهم بل بناء عقولهم وأفكارهم. يكون هذا في وسط أمواج الأحداث المؤلمة، والأخبار المفزعة، والتغيرات المتسارعة، في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. يقف المتابع حيران مبهوتاً ومتخبطاً، ماذا يصنع؟! المسلمون جسد واحد، ليس كالجسد الحسّي، وإنما تشبيه له، فإذا تألم عضو منه يجب ألاّ يتوقف الأعضاء الأخرى عن الحياة، بشرط أن يعملوا واجبهم. الدول تُبنى وفقاً لوظائف العمل؛ لذا يجب أن نترك المسؤولية لأصحابها بدلاً من التحليل والجدل وملاحقة الأخبار، وأن ننشغل بوظيفتنا، عند ذلك تنتظم حياتنا وتستقيم. لذا تجد أن الرجل الذي يستغرق في مهنته ووظيفته لا يهمه أخبار هذا وذاك، تجده مستمتعاً بحياته، سعيداً بوقته، منجزاً لعمله. لكن الحال أن الكثير يريد أن يكون هو صاحب القرار. أما فئة المخذِّلون! فيؤرقهم حال مجتمعهم، لكنهم لا يبنون لبنة صالحة فيه! تؤلمهم سلوكيات سيئة، لكنهم لا يمارسون سلوكاً في المقابل محموداً! ينتقدون أداء مسؤوليه، لكنهم لم يقدموا نصحاً ورأياً سديداً! كيف نريد لمجتمعنا أن يتغيّر للأفضل ونحن الأفراد لا نتغير؟! البيئة الإنسانية من صنع الإنسان؛ لذا "الإنسان ابن بيئته". {نَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. يلعن المتشائم الظلام، لكنه يستنير بضوء غيره، ولا يضيء للآخرين! أما إساءة الظن بالله! بألا نثق فيما منحنا الله في أنفسنا، من قدرة التغيير تجاه سلوكياتنا للأفضل، فإن حياتنا حينئذٍ تتشكل لأنماط مضطربة! كيف؟! في الحديث النبوي "لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه". الظنون السيئة بالله قد توجب عقوبة للفرد. هناك مجتمعات تحدث لهم كوارث ومصائب كثيرة، وفقر وعوز، وترى البسمة على شفاههم دوماً! لأنهم أحسنوا الظن بربهم. في الحديث القدسي عن الله تعالى "أنا عند ظنِّ عبدي بي، إن ظنَّ خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًّا فله". هنا لم يقل ربنا جل وعلا "أنا عند (حُسن) ظن عبدي" إنما قال: "أنا عند ظن عبدي بي...". ما الفرق؟! أنك إذا توقعت أن حياتك ستكون جميلة وسعادة وثقة بالله حتماً ستنجح، وستسمع الأخبار الجيدة. فالله يعطيك إياها بفعل الأسباب. "وعلى نياتكم ترزقون ". وهذا من حسن الظن بالله. وإذا كنت موسوساً "نفسيّة" كما يطلق على تلك الفئة! وديدنك ستصاب بمصيبة في كل يوم ولحظة! وستواجهك مشكلة، وأن الدنيا تموج للفتك بك! وحياتك كلها مآسٍ وهمّ ونكد! فتأكد أنك ستعيش بشعور المشكلة والفتك وحياة المأساة والهمّ والنكد. وهذا من سوء الظن بالله! هؤلاء هم الفئة الأسوأ في المجتمع. {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ}. إن الله كريم، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. وحسن الظن بالله من نقاء توحيده. فالخير من الله، والشر من أنفسنا. {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}. الرجاء عبادة، يجب ألا نهملها بتغليب الخوف. فالخوف والرجاء كجناحَي طائر، لا يحلق بالطيران إلا بتوازنهما، فنحن نخاف الله كما أننا نرجوه، ونحسن الظن به. مع أن الخطاب الوعظي أحياناً يغلّب جانب الخوف فيقودنا إلى سوء الظن بالله وبنعمته. وفي الحديث: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ»، قَالُوا يا رسول الله: مَا الفَأْلُ؟ قال: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ". الفأل كلمة طيبة، يسمعها المسلم فيرتاح لها ويسرّ. والتفاؤل (حسن ظن بالله). استمتعوا بحياتكم، واتركوا متابعة الأخبار التي لا تعني صلاحياتكم، ولا تقلقوا بما يكتب في الإعلام الجديد والتقليدي، وما يتناقل برسائل التواصل الاجتماعي، وما يكون من تحليلات متشائمة. أدام الله علينا أمن القلوب، وطمأنينة النفوس، وصحة الأبدان، وسلامة الأوطان، ورفع البلاء عن بلاد المسلمين جميعاً.