مؤمنة قانتة ثائرة على ظلمات الجاهلية واستبدادها بعدما ذاقت نور الحق المبين، ورغم أن والدها هو عقبة بن أبي معيط أحد الذين كان لهم دور كبير في الصد عن دين الله وتعذيب المستضعفين وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، إلا أنها كانت تتسم بشخصية مستقلة، لا تبالي بمن ضل بعدها، اهتدت وعرفت طريق الحق. فقد قررت الهجرة إلى المدينة بعدما اشتاقت أذناها إلى كلمات الكتاب العزيز وظمأت روحها إلى رؤية الرسول بعدما سبقها هو ومن معه بالهجرة. فخرجت بدون علم أهلها وركبت راحلتها ميممة شطر معقل الإيمان. وفي الطريق التقت برجل من خزاعة وجهته المدينة. فرافقته حتى وصلت مأمنها.. وهي من نزل فيها قول الحق تبارك وتعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم- الممتحنة: 10). وعندما علم أهلها بهجرتها خرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابن عقبة. وعندما قدما المدينة طلبا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسلم لهما اختهما أم كلثوم التي رفضت الرجوع معهما وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نقض الله العهد في النساء بما قد علمتماه، فانصرفا.. وفي المدينة تقدم لخطبتها الزبير بن العوام وزيد بن حارثة وعبدالرحمن بن عوف وعمرو بن العاص، فاستشارات أخاها لأمها عثمان بن عفان، فأشار عليها أن تأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار عليها بزيد بن حارثة فتزوجته وعاشت معه فترة طويلة، ومن عجائب القدر أنها تزوجت بعد ذلك الزبير بن العوام ثم عبدالرحمن بن عوف ثم عمرو بن العاص حتى وافاها أجلها معه. رحمها الله رحمة واسعة، فقد ضربت لنا أروع الأمثال في الثبات على طريق الإيمان مهما كانت التضحيات.. فهجرة امرأة بمفردها من مكة إلى المدينة في عصرها ذاك ليس بالأمر الهين، ولكنها قوة الإيمان التي تفجر كل الطاقات الكامنة في الإنسان.