معنى الإيحاء هو أن يلقي الإنسان بفكرة إلى غيره، ولا يزال يقنعه بها حتى يؤمن بها كأنها فكرته الخاصة، لكني مازلت أعتقد بأن فكرة الإيحاء من غير الممكن أن تجدي حين يرفض العقل هذه المهادنة الخالصة، العقل المعتد بذاته سيعتبر لا محالة أن كل ذلك الإيحاء مجرد كلام عائم وتجارب قصيرة النفس. إنما هذا الإيحاء من الممكن جداً أن يمرر في حال كان منبعه يصب من القوي ناحية من هو أضعف منه، والأمم القوية الحاكمة توحي أيضاً بما ترغب أن يسيطر على ذهنية الشعوب المحكومة، ولذا تجد أن أحد أهم عوامل تغلغل الثقافة الغربية في العالم وحصدها مؤيدين ومعجبين كُثراً هو أن قوتها الظاهرة أتاحت لها بالمثل قوة إيحاء وتأثير كبيرين. وعلى مستوى الانبساط والتعاسة من الممكن أن يحدث الإيحاء أيضاً لكن عندما يصبح هناك تشويش داخلي واهتزاز في نفس الموحى إليه، وبدونه لن يتم في الغالب، مثلاً عندما توهمه بأن ثمة تغييراً سلبياً يطرأ على سحنته وبأن تلويحات مهمومة واضحة على ملامحه، هنا يبدأ الموحى إليه بفتح أدراج تعاسته ويخرج منها ملفات لا تنتهي، والعكس يحدث أيضاً لدى إيهامه بأن عوامل البهجة تشع من عينيه، سيتأثر مزاجه ناحية ما تحاول سحبه إليه بالكلام. لقد كان سقراط يؤمن كثيراً بالإيحاء ولذا فقد وقف يخطب في تلاميذه عن السعادة ساعات مطولة دون أن يستريح، وبعد أن أصابه الإعياء توقف يلتقط أنفاسه، وأحاط به تلاميذه يهنئونه على روعة هذه الخطبة، قال أحدهم له: لاشك أنك تعبت جداً الآن، فرد سقراط: «طبعاً، والذي ضاعف من تعبي أنني أتكلم عن شيء أعرف معناه ولا أعرف طعمه» .. كان سقراط يعي أنه بحكم تأثيره القوي على تلاميذه سيتمكن من تسريب إحساس السعادة إليهم وإن كان هو نفسه لا يشعر به فعلاً. لكن محاولات الخداع هذه قابلة للفشل حين لا يكون الذهن مستعداً لقبولها، وجود الاندفاع الحسي القوي والقناعات الراسخة والأهواء التي تسيطر بقوة على النفس لا يعطي مجالاً للعبة الإيهام كي تمارس أداء متقناً في هذه الحالة، ودون وجود دوافع متقبلة ورغبات مستسلمة وقناعات هشة لا تصمد أمام لعبة الإيهام فإن مصير الإيحاء إلى زوال. The post الإيحاء لا ينجح في كل مرة appeared first on صحيفة الرؤية.