ينتقي المصور النمساوي الأصل، أندرياس بتسنتش، الوجوه والأماكن ليروي عبرها حكايات من المدن التي يزورها، عبر أسلوب سردي خاص. حيث اختار سبعة بلدان وقدمها في معرضه «أماكن وفضاءات» الذي افتتح أخيراً في غاليري «الربع الخالي» في دبي، وكأنه يريد أن يوجد لدى المتلقي دهشة من خلال الرقم الذي يطرحه، خصوصاً أن الأخير ارتبط بعجائب الدنيا. ويقدم المعرض الذي أتى نتيجة للأسفار التي يقوم بها الفنان النمساوي لنشر الكتب السياحية عن المدن، رؤية خاصة في التصوير قوامها الربط بين التاريخ والحلم. يرصد المصور النمساوي المدن التي يزورها في أوقات الفجر ومع بداية شروق الشمس، فتبدو أعماله وكأنها رصد متعمد للسكون أو كأنه في عملية بحث عن السلام في الأماكن. يصور المدن ليبتكر حكايات قد لا تلتصق بتاريخها أو على العكس من ذلك تكون شديدة الالتصاق به. هذا التصوير الذي غالباً ما يكون توثيقياً في المنهج لا يترك في بال المتلقي خيبة، بل يجعله يعيد النظر مراراً في الصورة أمامه ليكتشفها في كل مرة. أما حكايته مع الظل والإضاءة فهي الأساس الذي يمكنه من ابتكار أشكال ونماذج في الصور تجعل المعالم تبدو وكأنها مجسمات نحتية. وينجح في جعل المعالم تبدو شديدة الغنى بالتفاصيل، متألقة، كاملة، ومقنعة للمشاهد، وكل ذلك بفضل لعبته على الضوء في الصورة. برج خليفة حضر الفنان النمساوي اندرياس بيتسنتش إلى دبي قبل افتتاح معرضه بثلاثة أيام ليتمكن من تقديم صور عن دبي في المعرض، واستطاع إدخال صورتين عن دبي، التي يزورها للمرة الأولى. وكان برج خليفة المعلم الذي تعمد تصويره، كونه الواجهة الأبرز محلياً وعالمياً، وكذلك كونه يجسد الحلم الذي تحول إلى حقيقة في هذه الإمارة. يكشف الأسلوب الذي يقدم فيه اندرياس أعماله عن التصاق قوي بين العاطفة والتقنية لديه، فهو لا يعتمد على الأخيرة بشكل تام، بل يترك لردود الفعل الإنسانية ولحسه الشخصي دوراً في لقطاته. ويأخذنا في هذا المعرض إلى مجموعة من البلدان منها لندن وباريس والهند وإيطاليا ودبي. ويبدو اندرياس وكأنه يشكل مخيلة المتلقي، فيقوده إلى طرح علامات استفهام حول ما يراه، ويقوده إلى عملية تحليل للمشهد والحضارة والثقافة وما هو أبعد من الأماكن. ولا يتوقف موضوع طرح علامات الاستفهام عنده مع المعالم والمدن، وإنما يتعداها للوجوه التي تشغل حيزاً من أعماله، فهو يرصدها لتكون الجانب الحياتي المعبر عن المدينة. ملامح البشر المنغمسة في مشقات الحياة، الطفولة المحملة بالمعاناة، والشيخوخة التي حفر الزمن أثره في خطوط وجهها، كلها ملامح شغلت أعمال اندرياس. ويختصر اندرياس الحياة من خلال الوجوه التي يرصدها والتي يحرص من خلالها الابتعاد عن المثالية. وقال أندرياس عن معرضه الذي يستمر حتى 12 ديسمبر، إن «هذا المعرض عبارة عن مجموعة من الأعمال التي لم أصورها لتكون في معرض واحد، وهي المرة الأولى التي أراها متجاورة، وهذا يجعلني أعيد اكتشافها من جديد». وأضاف «يتفاوت الزمن الذي تعود إليه الصور بين القديم الذي يعود إلى أول الكتب التي أصدرتها، أو الحديث جداً كالتي التقطتها في دبي قبل المعرض بأيام». واعتبر أندرياس أن اعتماده اللونين الأسود والأبيض يعود إلى كونه يبحث عن لعبة مختلفة من خلال المعارض، فهذه الألوان تمنحه الشعور بالراحة في المعارض، مشيراً إلى أنه في المقابل يعتمد كثيراً على الألوان في الكتب التي ينشرها والتي بلغ عددها إلى اليوم 13 كتاباً. وحول سلسلة كتب الأسفار، لفت أندرياس إلى أن إنتاج الكتاب المخصص في بلد أو مدينة لا يعتمد على خطة محددة، موضحاً أنه يسافر إلى المدن ويمضي أوقاتاً متفاوتة فبعض السفريات قد تستغرق أياماً، وبعضها قد يمتد لأسابيع، أو أنه أحياناً يقصد البلد الواحد أكثر من مرة كي يتمكن من انجاز كتابه. وتعد انجلترا وإيطاليا والهند وتركيا وأميركا من أبرز البلدان التي زارها. أما لجهة التفاصيل التي تحملها كتبه إلى جانب الصور، فنوه أندرياس بكونه تصح تسمية الكتب ألبوم سفر، فأغلبها صور الأماكن مع المعلومات حولها إلى جانب صور تجسد الحياة. واعتبر أندرياس أن أهم ما يجب أن تحمله مهمة التصوير هو ردة الفعل، مبينا أن اعتماده على الملامح يعد تلقائياً، فهو يرى أن المصور في الكثير من اللحظات يكون تحت وطأة المفاجأة وبالتالي ينتج صوراً قد يفاجأ بها لاحقاً، ويرى جمالها مبهراً وتكون غير مخططة على الإطلاق. واعتبر أن التوحد مع طاقة البشر هو من الأمور التي تمنحه الكثير من السعادة وكذلك الاكتفاء، لأن المرء الذي يوثق ملامحه في الصورة هو من يقود المشهد وعليه كمصور أن يحترم الثقافة التي يراها فحسب. سلسلة أصدر المصور النمساوي سلسلة من الصور التي تنتمي إلى فن تصوير الأسفار والتي تهدف إلى توثيق أبرز معالم البلدان. فن حضري يركز اندرياس على الفن الحضري في تصويره، فيأخذ أبرز المعالم والمجسمات في المدن التي صورها ومنها التي التقطها في طوكيو ونيويورك وباريس. حلم ترك الفنان النمساوي المولود في فيينا عمله في التجارة الحرة عام 1989 ليتبع حلمه أن يكون مصوراً محترفاً. جوائز نشر أندرياس أول كتاب خاص بالأسفار عام 1998 وقد حاز من خلاله جائزة خاصةبالتصوير. معارض شارك أندرياس في مجموعة من المعارض في أوروبا وأميركا ويعد هذا المعرض الأول له في دبي.