لم أصدّق وأنا أقرأ العديد من الأخبار عن كشف بعض البلديات مخالفات لمطاعم، تجرَّد أصحابها من الدين والإنسانية؛ ليزيدوا دخلهم بمال حرام؛ ما جعل كثيراً من الناس يستغنون عن أكل المطاعم لكثرة المخالفات، سواء في نظافة العاملين أو صلاحية الأكل، وهذا يدل على أن الفساد ضرب بأطنابه في كل مكان؛ فلم يعد هناك شيء نقي إلا ما ندر. نجتهد ونبحث عن الأخطاء لإصلاحها، لكن بعد أن تتسع الفجوة، وبعد أن يستغل ضعاف النفوس طيبتنا أو سذاجتنا لتنمو ثرواتهم على حساب صحتنا. وإليكم بعض ما تناقلته الصحف: - تتابع إحدى الأمانات المطاعم والبوفيهات بعد قيام عامل ببيع الأغنام النافقة لها. - القبض على صاحب سيارة؛ تحمل عدداً من الذبائح التالفة قبل توزيعها على المطاعم. - إتلاف أعداد كبيرة من الدجاج في أحد المطاعم بعد اكتشاف تعفنها. - اكتشاف أحد المطاعم يقوم بتقديم لحم الحمير لزبائنه. - إتلاف كمية من الأكباد الفاسدة قبل أن تُسلم لأحد البوفيهات. - إغلاق مطعم بعد اكتشاف أنه يطبخ لحوم الحاشي النافقة. كل هذا يجري في بلدنا الذي يأتي في مقدمة دول العالم ثراء، لكنه فساد الذمم وفساد الأخلاق الذي دفع بالبعض إلى البحث عن الثراء على حساب صحة الناس، متناسين أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الجانب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" فقال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس. من غشنا فليس منا". والخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - منع الناس من خلط اللبن بالماء، والشواهد كثيرة في هذا المجال، فمن يغش الناس في أكلهم أو شربهم أو ملبسهم فإنه قد ارتكب محذوراً يخرجه من جماعة المسلمين. إنني أتساءل ومعي الكثيرون عن أولئك الذين لا همَّ لهم إلا الكسب، حتى لو كان عن طريق الحرام.. هل يعون عاقبة ما يقومون به؟ أم أنهم في حاجة إلى التوعية، فإذا كان ذلك كذلك فما هو دور رجال الدين من العلماء والشيوخ وأئمة المساجد ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أليس هذا منكراً يجب محاربته والقضاء عليه؟ ثم أين الأمانات والبلديات من التشهير بهؤلاء الغشاشين ومعاقبتهم، فما نلاحظه أن من يتم إقفال مطعمه يقوم بوضع لوحة أمام المطعم كُتب عليها (مقفل للصيانة)، وتُترك تلك اللوحة دون اتخاذ عقوبة، وكان من المفترض أن تضع البلدية لوحة كبيرة، يُكتب عليها نوع المخالفة ومدة العقوبة، وبهذا تكون العقوبة مؤثرة، وتُحِدّ من استهتار أصحاب المطاعم والعاملين فيها بحقوق الآخرين. إننا في حاجة إلى الوقوف في وجه كل من تسول له نفسه الإضرار بالآخرين، والإبلاغ عنه للجهات ذات العلاقة، وتقديمه للعدالة حتى ينال عقابه، ويكون عبرة لمن يريد أن يسلك طريقه. أما إذا بقينا نغفر ونسامح فإننا سنصل إلى طريق تصعب العودة عنه، وسيعم الضرر كل أرجاء الوطن.