جاءتني رسالة هذا الصباح في الهاتف الجوال تقول "ابتسم لحياتك، وابتسم لكل ما حولك، وفكّر في كل ما يسعدك، ولا تفكّر في أمر يقلقك؛ فالأمل دواء، والقلق عناء، والتفاؤل رجاء". هي رسالة فيها من التفاؤل الشيء الكثير، لكن كيف سيتلقاها ذلك المهموم في رزقه الذي يرى أطفاله وهو لا يستطيع إطعامهم أو تسليتهم أو كسوتهم؟ وكيف سيتلقاها من تأتي زوجته وتطلب منه ما يكسيها لتلبس مثل قريناتها وهو لا يستطيع تلبية طلبها؟ وكيف سيتلقاها من تأخر عن تسديد إيجار الشقة؛ لأنه أنفق راتبه في تسديد بعض الديون وشراء احتياجاته الضرورية، لكن قسط الإيجار قد حل وتأخر عنه شهرين، وهناك تهديد من المقيم الذي يعمل مع المالك لقطع الكهرباء عنه حتى يسدد أو يخرج؟ وأين يذهب بأطفاله وهو على هذه الحال رغم أنه رجل مُجِدّ في عمله، ويبذل كل ما يستطيع؟ وكيف سيتلقاها وأمامه فاتورة الكهرباء والجوال ومبالغ للبقال وصاحب المغسلة وغير ذلك؟ وكيف سيتلقاها من تعطلت سيارته القديمة التي أجهدته وهو يصلح أعطالها وها هي تطلب المزيد ولا مال عنده، ومتأخر عن عمله، وسيارات الأجرة قليلة وغالية، وأسلوب عملها رتيب وقديم، ولا نقل عام يساعده في الوصول لعمله؟ وكيف سيتلقاها ذلك الأخ الذي يرى شقيقه الغني يسافر إلى كل مكان، ويبذر المال وينفق على أولاده وبيته بكل إسراف وتهور، ولم يفكر في السؤال عن أخيه وتقصي أحواله وتفريج كربته بعد الله، وحتى عندما ذهب إليه هذا الأخ يطلب المساعدة وجد منه الصد والتهرب والقلب القاسي؟ وكيف سيتلقاها ذلك المهموم بفقدان أعز حبيب وأقرب إنسان إلى قلبه وخرج من المقبرة يهيم بين مصدق ومكذب؟ وكيف سيتلقاها من يقرأ صباح مساء عن التكافل بين المسلمين وعن البر والصدقة ومساعدة المحتاجين والفقراء والمعوزين وهو يرى أصحاب الأموال في زيادة، ينتهي من مصنع ليبني آخر، ومن قَصْر إلى آخر، ومن شركة إلى أخرى، ومن أرض إلى أرض أكبر، ومن عمارة إلى أخرى أكبر، ومن مشروع إلى آخر أضخم وأكبر، مع زيادة في الأرصدة، وصرف فيه إسراف على متع الدنيا، وعندما تحدِّثه عن فقراء ومحتاجين يحاول إيجاد الأعذار لنفسه، ويبحث عن التبرع المقرون بالوجاهة والرياء والتقرب، بينما لا يرق قلبه ولا حتى لأقربائه من المحتاجين والفقراء؟ وكيف سيتلقاها ذلك الشاب الذي تعب من اللهاث والركض اليومي للبحث عن عمل وبعض رجال الأعمال يضيقون الفرص ويغلقون الأبواب دون المواطن؟ وكيف سيتلقاها ذلك الشاب الذي تقدمت به السن ويذهب طوال ليله يفكر في ألم وحسرة رغبة في إكمال دينه والزواج وتكوين أسرة، لكنه أمام غلاء المهور ومتطلبات الزواج يعيش قلقاً وألماً وضيقاً؟.. إذاً، لا نلوم بعض من لا يبتسم.. ولا أبحث لهم عن الأعذار، لكن هذه هي الحياة، للأسف يتسع فيها مساحة الحزن بأنانية بعض أفرادها وعدم إحساسهم بالآخرين. وكما قال صديق هذه دعوة للمواساة ودعوة لإحياء ضمائر المترفين والمتخمين. ومع الأسى الذي تنقلنا إليه هذه الحال إلا أن الحياة لا طعم لها بلا تفاؤل؛ إنه ترياق سموم الدهر، وظل يستظل به أصحاب الكربات من الفاقة والهموم؛ وبالتالي نحسن الظن بالله والعيش بانتظار اليوم السعيد.. يا من قلَّ ماله وكثرت أحماله. أما الجانب الآخر، فإن الشقاء ليس ملازماً للمعوزين وحدهم بل للأثرياء، وربما شقاء الموسر أشد وأقسى؛ فهو يشقى في جمع المال وتوسعة المصانع ومراقبة الأسهم كما يشقى أيضاً في حراستها حتى آخر نَفَس. يروي صديق أنه يعرف ثرياً في مستشفى الملك فيصل التخصصي، يعاني السرطان، زاره قبل وفاته بيوم واحد، وكان يراقب شاشة الأسهم من فوق سرير المرض، ويعطي الزائر نظرة وأخرى للشاشة، وربما مات - رحمه الله - وهو غير سعيد؛ لأن أسهم شركته التي يملك فيها عشرين مليون سهم كان ينخفض وقت وجود الزائر! أما المهموم بفقره فعلى الأقل يصيبه بعض السعادة عندما يستلم راتبه؛ ولهذا عندما يتمعن الإنسان في صورة أطفال فقراء يدحرجون عجلة سيارة والابتسامة تعلو محياهم يتذكر أن هذه الابتسامة ربما تعز على صاحب الملايين والأسهم والمنصب والجاه الذي تنقصه أمور أخرى.. وقد قيل "من جانب القناعة خسر السعادة"، ولكن للأسف، إن مساحة الحزن تكبر.