لا تزال قضية توقيف دبلوماسية هندية والتحقيق معها عارية في نيويورك تتصاعد فصولاً بين نيودلهي وواشنطن التي بذلت جهودا مضنية لرأب الصدع بين الدولتين. وكشفت مصادر دبلوماسية أن السفيرة الأميركية في العاصمة الهندية نيودلهي نانسي باول تجري محادثات مستمرة مع المسؤولين الهنود لمحاولة حل الأزمة. وكانت السلطات الأميركية اعتقلت الدبلوماسية الهندية ديفياني خبراجادي نائبة القنصل العام الهندي في نيويورك في 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري بتهمة تزوير تأشيرة دخول، ودفع راتب زهيد لمربية أطفال هندية كانت تعمل لديها. وبعد توقيف دبلوماسية هندية في نيويورك في وقت سابق من الشهر وتفتيشها تفتيشا جسديا وتوجيه تهم مهينة لها، نبه مسؤولون هنود واشنطن إلى أن "الزمان قد تغير". وكشفت تقارير أن الدبلوماسية الهندية قد جرّدت من ملابسها وتعرضت لتفتيش جسدي دقيق، الأمر الذي أثار غضبًا حكوميًا وشعبيًا هنديًا، ومطالبات من نيودلهي بتقديم الإدارة الأميركية اعتذارا للهند. وكان البيت الأبيض قال في وقت سابق إن الإدارة الأميركية تدرس قضية الاعتقال "للتأكد من أنه تم اتباع كل الإجراءات المتعارف عليها". كيري يأسف ومن جهته، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري عبر عن "الأسف" للحادثة، وشدد على أن القضية يجب ألا تؤثر في "العلاقات الحيوية" بين البلدين. وقال في اتصال هاتفي مع الشخص الثالث في وزارة الخارجية الهندية ويندي شيرمان ومع مستشار الأمن القومي الهندي شخصياً: "ما نركز عليه اليوم هو العمل على دفع العلاقات إلى الأمام". وبالتوازي مع جهود باول، قام موظفون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية الأميركية بالاتصال بنظرائهم الهنود ثلاث مرات خلال اليومين الماضيين لتوضيح الموقف الأميركي وإزالة اللبس. إلا أن الجهود الأميركية لم تلقَ تجاوبا من المسؤولين الهنود الذين باتوا يعتبرون بلدهم قوة صاعدة، وعلى الولاياتالمتحدة أن تعامله باحترام، خاصة أن البلدين حليفان قويان. الزمان تغير وقال وزير الشؤون البرلمانية الهندي كمال ناث للصحافيين "على الولاياتالمتحدة أن تفهم أن العالم قد تغير، والزمان قد تغير، والهند قد تغيرت". وأكد ناث أن بلاده تريد اعتذارًا واضحًا وصادقًا، ودعا جميع الدول إلى ضم صوتها للهند، قائلا "إن التصرف والأسلوب اللذين أظهرتهما الولاياتالمتحدة في قضية (الدبلوماسية الهندية) ديفياني هما مسألة مثيرة للقلق، ليس فقط للهند، بل لجميع الدول، والجميع عليهم أن يرفعوا أصواتهم". وكحل سريع للأزمة بين الجانبين، كانت الأممالمتحدة أعلنت أنها تلقت إخطاراً رسمياً من الهند لتسجيل الدبلوماسية بوصفها عضوا في البعثة الدائمة للهند في الأممالمتحدة. ويعتبر هذا الإجراء بمثابة نقل للدبلوماسية من قنصلية الهند في نيويورك إلى هيئة الأممالمتحدة، مما يعني منح حصانة دبلوماسية أكبر، وغلق لملف هذه المشكلة. توقيف الدبلوماسية ويشار الى أن الشرطة الأميركية كانت أوقفت خوبراجادي خلال قيامها بنقل ابنتها إلى المدرسة، وذلك بتهمة تقديم إفادات غير صحيحة من أجل الحصول على تأشيرة لعاملة منزلها ومن ثم إساءة معاملة الخادمة عبر عدم تسديد راتبها بالمبلغ المتفق عليه. ودافعت أجهزة الأمن الأميركية عن تصرفها قائلة إنها طبقت الإجراءات المعتادة، ولكن الخارجية الهندية ردت بوصف ما تعرضت له الدبلوماسية ب"العمل البربري" مضيفة أنها تشعر ب"الصدمة" حيال ما تعرضت له خوبراجاد من "إهانات على يد السلطات الأميركية". وتبع هذا الاتهام توقيف الدبلوماسية خوبراجادي (29 سنة) في زنزانة مع نساء أخريات وخضعت للتفتيش عارية كسائر السجينات، ثم أطلق سراحها في وقت لاحق بكفالة 250 ألف دولار. رسالة خوبراجادي ونقلت صحيفة "تايمز أوف إنديا" في رسالة من خوبراجادي بالبريد الإلكتروني إلى زملائها، حيث قالت: "لقد أصبت بالإنهيار مرارًا بسبب الإهانات التي تعرضت لها من وضعي في الأصفاد، وتفتيشي جسديا في محبس مع مجرمين ومدمني المخدرات.. رغم تأكيداتي المستمرة بتمتعي بحصانة". وكتبت خوبراجادي "لقد واتتني القوة لاستعادة رباطة جأشي وأن أظل على كبريائي، حيث أعتقد أنني يجب أن أمثّل جميع زملائي وبلدي بثقة وفخر". استياء هندي وجاء رد الفعل الهندي سريعاً، حيث استدعت نيودلهي السفيرة الأميركية لديها، نانسي باول، احتجاجا على توقيف خوبراجادي كما قامت بسحب بطاقات التعريف التي تسمح للدبلوماسيين الأميركيين بالحصول على معاملة تفضيلية. كما منعت نيودلهي السفارة الأميركية من استيراد الكحول والمواد الغذائية، كإجراء عقابي، كما أزاحت حواجز الحماية الإسمنتية عن مقر السفارة. وعلى الصعيد الهندي الداخلي، تجمعت احتجاجات شعبية نظمتها قوى يسارية وطلابية خارج القنصلية الأميركية في مدينة حيدر أباد بولاية أندرا براديش الهندية أول أمس الخميس، مطالبين باعتذار من الولاياتالمتحدة عن اعتقال الدبلوماسية الهندية ومعاملتها بطريقة فظة. وردد نشطاء هتافات مناهضة للولايات المتحدة في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي في الهند. وفضّت الشرطة الاحتجاج بعد السيطرة على الحشد واعتقال بعض المحتجين. وكانت الحكومة الهندية قد اتخذت أول أمس الأربعاء إجراءات شملت مراجعة أوضاع العاملين الهنود بالقنصليات الأميركية، وتعليق استيراد المشروبات الكحولية المعفاة من الرسوم الجمركية. كما أزالت الشرطة الهندية يوم الثلاثاء الماضي حواجز أمنية خرسانية كانت تمنع المركبات من الاقتراب بسرعة كبيرة من مجمع السفارة الأميركية في نيودلهي، والتي من شأنها توفير قدر أكبر من الحماية من التفجيرات الانتحارية.