محمد علي الهرفي الأوضاع في مصر عادت إلى الغليان من جديد.. والبعض يقول: إن الإعلان الدستوري الذي اتخذه الرئيس مرسي هو السبب في ذلك. لكن آخرين لا يتفقون مع هذا القول، فهم يرون أن هناك مؤامرة كبرى على مصر وثورتها، وهذه المؤامرة أيد خارجية تتمثل في إسرائيل وأعوانها وكذلك أيد داخلية يقودها الفلول ويقف إلى جانبهم كل الكارهين لأي اتجاه إسلامي في مصر بغض النظر إن كان هذا الاتجاه يقوده الإخوان المسلمون أو غيرهم!! فقادة التيار المعارض من الليبراليين والناصريين وانضم إليهم السيد البرادعي، وهذه من المفارقات اللافتة للنظر، فمعروف أن السيد البرادعي مارس دورا مشبوها في احتلال العراق، كما أن تصريحاته الأخيرة بشأن الهولوكوست اليهودي وحديثه عن أهمية وجود دور خارجي في مصر كل ذلك لا يتفق مع معتقدات الناصريين، أما الليبراليون فهم معروفون بالتلون والبحث عن مصالحهم بعيدا عن كل القيم التي يتحدثون عنها.. وأرجح أن المصالح الشخصية هي التي جعلت هذا الخليط –غير المتجانس- يتحد بعضه مع البعض الآخر ليشكل فريقا معارضا لاستمرار الرئيس مرسي في حكم مصر مهما كانت الأحوال، لأن حكمه لا يحقق مصالحهم، كما أنه يشكل خطرا حقيقيا على الفلول وهم لا يزالون يديرون معظم القطاعات في مصر، ولهذا اتحد الجميع على رفض السيد مرسي وجاء الإعلان الدستوري الذي اتخذه الرئيس في ظروف خاصة لكي يمتطوه في إعلان رفضهم له، ثم للرئيس نفسه!! بطبيعة الحال، كان للرئيس وفريقه رأي آخر.. فهم يرون أن هناك خطرا على مصر وعلى مؤسساتها المتبقية، فهناك – كما يقولون – اتجاه حقيقي لإلغاء مجلس الشورى، ثم اللجنة الدستورية، وربما يتبع ذلك النظر في إعادة الانتخابات مرة أخرى اعتمادا على ما يقوله السيد شفيق – الذي يدير معركته من الإمارات – من أن هناك تزويرا في الانتخابات وأنه يجب على القضاء النظر فيما قدمه من وثائق قد تجعل من فوزه أو إعادة الانتخابات أمرا لابد منه!! هذا الواقع الذي تقول مؤسسة الرئاسة إنه مبيت والهدف منه شل العمل كله في مصر وإعادة البلاد للفوضى هو الذي جعل الرئيس يتخذ تلك القرارات حماية لمصر وشعبها.. نعرف – أيضا- أن الرئيس أكد أن صلاحياته المطلقة لا تخالف القوانين في ظل ظروف مصر الحالية وأوردوا شواهد كثيرة على ذلك، كما أكدوا أن هذه الصلاحيات مؤقتة قد لا تمتد إلا لبضعة أشهر وحتى تتم انتخابات مجلس الشعب والتصويت على الدستور، ولكن كل ذلك لم يقنع أصحاب الاتجاه الآخر الذين أصروا على موقفهم وأنهم ماضون في اعتصامهم حتى يتراجع الرئيس عن قراراته!! انقسمت مصر الآن إلى فريقين، أحدهما مع الرئيس والآخر ضده.. وكل فريق بدأ يحشد مؤيديه وإظهار قوته وأنه الأكثر والأقوى على الساحة المصرية.. أما اللاعبون خارج مصر فهم يقومون بدورهم في تأييد من يتفق معهم ويستطيع تنفيذ أهدافهم مستقبلا!! إسرائيل وإيران مع المعارضة!! والمضحك أن الحكومة السورية بدأت تتهم السيد مرسي بالاستبداد والابتعاد عن الديمقراطية وتطالب بإسقاطه، وكأن هذه الحكومة تمثل الديمقراطية بكافة محاسنها!! وكأنها لم تقتل عشرات الآلاف من شعبها.. لكن موقفها يمثل البؤس الذي نراه عند البعض!! في رأيي أن الوضع يحتاج لوعي الشعب المصري بمصالحه، أما اللاعبون الخارجيون فالذي يهمهم مصالحهم الشخصية وحدها!! إسرائيل لا تريد حكما يقف ضدها.. وأحداث غزة الأخيرة وموقف مصر منها شكل لها صدمة عنيفة، ففرق هائل بين ما كان يفعله حسني مبارك وحكومته وبين ما فعله الرئيس محمد مرسي وحكومته.. وإذا افترضنا أن الوضع السوري قد يتغير للأفضل – وهذا المتوقع – فإن خطرا حقيقيا قد يحيط بإسرائيل وهذا يجعلها تفعل كل شيء من أجل تغيير الوضع في مصر لأنها هي الأهم والأخطر بالنسبة لها.. الدستور المصري أقرته هيئته والمفترض أن يطرح للاستفتاء الشعبي، والمصلحة تقول: إن الشعب هو من يحدد قبوله للدستور من عدمه.. وبدلا من المظاهرات التي تسيء إلى مصالح المصريين على كل فريق إن كان واثقا من مؤيديه وكثرتهم أن يطمئن إلى أنه سيصل إلى ما يريد من خلال التصويت الشعبي، فإما أن يقر هذا التصويت وإما أن يرفض، والشعب هو من يقرر ذلك وعندها يجب أن يحترم الطرفان خيار الشعب. مصر لأنها الأهم عربيا والأكثر تأثيرا فإنها تتعرض لعمليات تستهدف مصالحها وأمنها لكي لا يكون لها دور حقيقي على المستوى العربي والعالمي، ولن ينفعها إلا أبناؤها المخلصون، وهذا وقت عصيب تمر به، وعليهم ألا يتخلوا عنها وأن يتحلوا بالحكمة والصبر، وأذكرهم أن الرئيس هم من انتخبوه وهو أول رئيس منتخب في مصر، فليس من مصلحتهم القضاء على ديمقراطيتهم الوليدة!!