يقول علماء الاجتماع الغربيون إن المجتمعات العربية لا تفيق من إشاعة إلا على إشاعة أخرى، وهذا كلام حقيقي لأن المجتمعات العربية لا تكاد تصدق الحقائق ولكنها تصدق الأكاذيب والشائعات بسرعة كبيرة حتى النفي الرسمي للشائعات لا تصدقه هذه المجتمعات، الأمر الذي يهدد تماسك المجتمع وكيان الدول بشكل عام. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر: الإسلام اتخذ الموقف الحازم من الشائعات وأصحابها، لما لنشرها وبثها بين أفراد المجتمع من آثار سلبية على تماسك المجتمع المسلم وتلاحم أبنائه وسلامة لحمته بل لقد عدَّ الإسلام ذلك سلوكاً مرذولاً منافياً للأخلاق النبيلة، والسجايا الكريمة والمثل العليا التي جاءت بها وحثت عليها شريعتنا الغراء من الاجتماع والمحبة والمودة والإخاء والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، فالشائعات أصبحت من القضايا التي تهدد كيان واستقرار المجتمع ولها الكثير من الأسباب التي تكمن في العداء الشخصي بين الناس مما يولد الحقد والغيرة ويدفع البعض لنشر أقاويل لا أساس لها من الصحة لتشويه الآخرين، وتظهر الشائعات نتيجة الخلاف المذهبي والفكري، وكذلك حب الظهور وابتزاز الشرفاء والسعي لضرر الآخرين حتى يظهر من يطلق تلك الشائعات أمام الناس أنه مجرد من كل العيوب. الانتقام من الأبرياء ويضيف: وفي هذا قال الله تعالي :«وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» فنشر الشائعات من أكثر المخاطر والمهالك التي تصيب الفرد والمجتمع، وتظهر الشائعات في ظل نفوس لا تعرف معنى الإيمان وقلوب لا تعرف الخوف من الله عز وجل، لأن من يطلقون تلك الشائعات يسعون للانتقام من الأبرياء والشرفاء وتشويه صورتهم في المجتمع أو الحصول على منافع شخصية على حساب الآخرين من دون النظر للأضرار النفسية والاجتماعية الكبيرة التي تصيب ضحايا تلك الشائعات، فطغيان الماديات والتكالب على الدنيا وغياب الرحمة والشفقة والبعد عن الدين من الأسباب التي جعلت الشائعات تنتشر في المجتمع. «حادثة الإفك» ويقول الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري الأسبق: لا ينسى المؤرخون أبدا أن في التاريخ الإسلامي كانت هناك شائعة مست بيت النبوة أطلقها أحد المنافقين وهو عبد الله بن أبي بن سلول وقد وردت تلك القصة في القرآن الكريم تحت عنوان «حادثة الإفك»، وعندما علمت السيدة عائشة رضي الله عنها حزنت حزناً شديداً وعبرت عن هذا الحزن بقولها: «فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا أكتحل بنوم وقد بكيت ليلتين حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي»، ثم قالت رضي الله عنها: «وكنت أرجو أن يبرئني الله عز وجل كما كنت أرجو أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله فيها»، هذا ما كانت تشعر به زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت الصديق رضي الله عنه بعد أن أشاع عنها المنافقون ما هي بريئة منه ولقد نزل القرآن الكريم ببراءتها في ست عشرة أية من سورة النور وبدأت هذه الآيات بقول الله تعالي: «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم». ... المزيد