لا قضاة في القاهرةحدود أخرى في العلاقات بين الجمهور المصري وجهاز القضاء المصري تم اجتيازها أمس حين احتشدت مجموعات من مؤيدي الرئيس محمد مرسي ونشطاء في الحركات السلفية أمام أبواب المحكمة الدستورية في القاهرة ومنعت القضاة من الدخول الى قاعة المداولات. وهذه هي المرة الاولى التي يشوش فيها المتظاهرون عمل الهيئة القضائية الاعلى في مصر، والتي تتمتع بشرعية جماهيرية واسعة، ويهددون حياة القضاة الاعلى. وفي نفس الوقت واصلت مجموعات المتظاهرين المعارضين لمرسي، لتوسيع صلاحياته ومسودة الدستور الجديد، في التجمع في ميدان التحرير مطلقين شعارات ضد الرئيس ومطالبهم بسقوطه. مسافة بضع كيلو مترات فصلت بينهم وبين مئات الباصات التي استأجرها حزب الحرية والعدالة للاخوان المسلمين وفيها مئات النشطاء الاسلاميين. وانضم هؤلاء المتظاهرين الى المظاهرة الكبرى التي أقامها مؤيدو مرسي في ميدان نهضة مصر. وتساعد المنطقة الفاصلة بين المظاهرتين حاليا في الفصل بين المجموعتين الكبيرتين من المتظاهرين، ولكن مشكوك ان يكون هذا لزمن طويل. فيوم الثلاثاء ستجري مظاهرة كبرى تقوم بها 18 حركة معارضة قرب القصر الرئاسي، وهذه قد تتدهور الى اشتباكات عنف بين مؤيدي مرسي ومعارضيه. وحسب بعض المحللين المصريين، فان مثل هذا الاشتباك اذا ما وقع قد يؤدي الى تدخل الجيش واعادة مصر الى الايام الاولى من الانتفاضة الشعبية. مظاهرات أمس في القاهرة والمس باستقلالية المحكمة الدستورية تقرب مصر من نقطة الغليان وتهدد باخراج الامور من سيطرة مرسي الذي لا ينجح في تهدئة المعارضة. مرسي، الذي يعترف على ما يبدو بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه إذ نشر في الاسبوع الماضي سلسلة من 'القرارات الدستورية' التي تمنح قراراته مكانة أعلى من القانون وتعفيه من الرقابة القضائية، اعتقد بان الاسراع العاجل لصياغة الدستور والبيان عن الاستفتاء الشعبي بعد اسبوعين سيهدىء معارضيه. وهكذا، فانه تطلع الى أن يجعل مداولات المحكمة الدستورية في حل لجنة صياغة الدستور غير ذات صلة. في الحالتين تبين بان اعتبارات مرسي فشلت. فحركات المعارضة تعتقد بان مسودة الدستور، كما أقرت يوم السبت، هي 'سرقة الديمقراطية ومس بروح الثورة'. وبزعمهم، فان الخلافات لا تزال كبيرة، وحتى البنود التي لا يوجد حولها خلاف كبير، تم اقرارها في اللجنة التي تعتمد تشكيلتها جدا على الحركات الاسلامية ولهذا فانها لا تعبر عن اجزاء واسعة من الجمهور. وأمل المعارضون بأن تبحث المحكمة الدستورية في مسألة قانونية اللجنة وتقرر حلها للمرة الثانية. أما مرسي فأعلن بان المداولات لم يعد لها داعٍ بعد اقرار مسودة الدستور، ولكن تبين له عندها بان هذا ليس رأي القضاة الذين حاولوا الوصول الى اجراء المداولات ولكنهم اضطروا الى الانسحاب من المبنى بسبب احتشاد المتظاهرين. وبالتالي فقد أعلنت المحكمة الدستورية بانها لا تعتزم استئناف عملها الى أن تُضمن شروط عمل القضاة دون تهديدات ودون ضغوط. والنتيجة في هذه الاثناء هي أنه طالما لم تعطي المحكمة الدستورية رأيها في الالتماس ضد تشكيلة اللجنة، سيواصل معارضو الرئيس المطالبة بتجميد مسودة الدستور والا تعرض على الاستفتاء الشعبي. ومن شأن اضراب المحكمة الدستورية وقرار العديد من القضاة في مصر تجميد عملهم الى أن يتراجع مرسي عن 'القرارات الرئاسية' من شأنه أن يطرح مصاعب كبرى ايضا امام اجراء الاستفتاء الشعبي. بعض من القضاة يهددون منذ الان بعدم المشاركة في الرقابة على التصويت وبالتالي تعريض الاستفتاء الشعبي لادعاءات التزوير والغش. وقال الناطق بلسان الاخوان المسلمين، عصام العريان، في هذا الشأن انه يعتقد أنه يمكن تجاوز مسألة الرقابة بوسائل اخرى، ولكن الحقيقة هي أن في هذه الاثناء لا بديل شرعي على رقابة القضاة. وكلما مر الوقت منذ نشر قرارات مرسي تتعاظم المعارضة لشكل ادارة الازمة. وليس واضحا تماما في هذه المرحلة اذا كانت قيادة الاخوان المسلمين هي التي دفعت مرسي الى تبني المرسوم الرئاسي أم كانت هذه قراراته المستقلة. الشعارات التي يطلقها نشطاء الاخوان المسلمين تدل على أن المقرر الاخير ليس مرسي بل محمد بديع المرشد العام للاخوان المسلمين والذي أدى انتخابه الى الانشقاق في الحركة. ويتعلق حل الازمة الان بتقدير الضرر الذي يلحق بصلاحيات مرسي والقضم من مكانة الاخوان المسلمين قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستعقد بعد نحو شهرين من الاقرار النهائي للدستور. مشكوك أن تؤثر على قرارت مرسي الصرخات التي يسمعها من فرنسا، المانيا والولايات المتحدة بحق سلوكه. والان يعد هذا الصراع السياسي الداخلي في واقع جديد تعمل فيها الميادين كبرلمان ووسائل الاعلام هي جزء لا يتجرأ من الصراع. تسفي بارئيل هآرتس 3/12/2012