لقد اجاب على هذا بقوله: "تلك مجرد أمثلة لأُسس ومبادئ نبيلة استعاد شعبنا وحدته على قيمها وأخلاقياتها وهي ما نستعيده اليوم في خضم هذا اللغط والأخذ والرد والجدل حول وثيقة معالجة القضية الجنوبية، وتحديداً ما توصف بامتيازات وفوارق توحي بأن الوحدة في العام 1990م قد تمت بين شعبين ونظامين على أُسس خاطئة". ا ه. وهذا يدل على ان اطروحات الحزب والنظام الشمولي ما زالت تلاحق الشعب الجنوبي، وما زالت اساسا لسوء فهم قضية احتلال الجنوب العربي. ولذلك فان ادانة الغاء الشعب الجنوبي التي قام بها النظام الشمولي للحزب الواحد يجب ان تكون على رأس الاولويات لأي مؤتمر جنوبي جامع. ان الموضوع المشار اليه ليس الا اعادة انتاج ديباجة دستور الحزب الاشتراكي اليمني لعام 1978م الذي فرضه على الشعب الجنوبي، وفرض من خلاله اليمننة والماركسية. ولا نستغرب من عودة الاحتلال اليمني الى ادبيات الحزب والنظام الشمولي من اجل ان يسعف نفسه بهذه القشة ويضعها في وجه الشعب الجنوبي. لو اراد كاتب الموضوع انصاف الشعب الجنوبي عليه الاعتراف بإرادة الشعب الجنوبي وما يقرره، لا الرجوع الى ادبيات العهد الشمولي، التي صادر فيها الحزب ارادة الشعب الجنوبي، من اجل اعادة مصادرة ارادته مرة اخرى. ان ديباجة دستور 1978م اختصرت دعاية اليمننة بشكل موجز. وهي دعاية تقوم على اساس كذب تاريخي صريح، وذلك بتصوير ان الاستعمار هو الذي شطر "اليمن" وكأن اليمن هذه دولة موحدة منذ الازل وجاء الاستعمار وقسمها. وتم معاملة اسم "اليمن" وكانه اسم قومية واسم هوية لا مجرد اسم جغرافي واسع، وما يقع منه خارج حدود الدولتين اكبر من مساحة تلك الدولتين، ولا يمكن حصره فيهما فقط. ان توحيد السلطنات والمشيخات كان بذرته مشروع رابطة ابناء الجنوب العربي الذي طرحته في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وتوج هذا بتوصيات وقرارات الاممالمتحدة ممثلة بلجنتها الخاصة بتصفية الاستعمار التي تمخضت عن قرارين للأمم المتحدة ممثلة في جمعيتها العامة وهما قرار 1949، و2023 لعامي 1963 ، و1965م على التوالي. وما فعلته الجبهة القومية ليس الا اثبات فشل مشروع اتحاد الجنوب العربي الذي انشأته بريطانيا وعارضه الجميع. ومن هنا رتبت بريطانيا الوضع لتسليم الجنوب في دولة واحدة، ولولا تعاونها، بعد ان اسقط في يدها، واستجابت لقرارات الاممالمتحدة ورغبةً في تصفية وجودها لما استطاعت الجبهة القومية استلام السلطة في الجنوب. ان الاستقلال كان نضال جميع قوى الشعب الجنوبي، وكذلك توحيده، ولكن الجبهة القومية خطفت الثمرة التي لم تصنعها وحدها، وصورت، مستخدمة قوة الدولة، ان النضال نضالها فقط، ثم فرضت توجهاتها وأيدولوجيتها ورؤاها على الشعب في الجنوب. ويقول كاتب الموضوع ان الحزب عندما اقدم على الوحدة انطلق من ارادة الجماهير ولم يختر الكونفدرالية ولا الفدرالية. والسؤال هو: هل ارادة الجماهير في الجنوب كانت ضد الفدرالية او الكونفدرالية؟ ثم متى كانت للجماهير في الجنوب ارادة اصلا؟ لم تكن الوحدة موضوع ارادة للجماهير بل ارادة للحزب، ولذلك لم يستفت عليها الشعب في الجنوب. واذا كانت هناك ارادة ابتداء في الوحدة، فهل هي ارادة من مرة واحدة ثم تسقط ولا يعود لها اي وجود؟ اذا كانت الوحدة بإرادة شعبية في الجنوب فاستمرارها مرهون ايضا بتلك الارادة. وبالتالي كان الحزب منطقيا مع نفسية وشموليته عندما صادر ارادة الجماهير ولم يعتبر الوحدة مسألة ارادة وخيار للشعب بل قرار للحزب، وهذا ما يفسر عودة الاحتلال الى الادبيات الشمولية التي لم تكن تعجبه في الماضي واصبحت في مصلحته الان. وكان الحزب منطقيا مع شموليته ايضا عندما اعتبر نفسه ضمير الشعب والمعبر عن ارادته، واختزل الشعب فيه واسكت الشعب وارهبه. فهل صنعاء اليوم ومثقفوها يعتبرون انفسهم المعبرين عن ارادة الشعب الجنوبي وضميره؟! لو اردنا ان نتحدث عن ارادة حقيقية للشعب في الجنوب يجب ان تكون في اجواء الحرية وليس القمع كما هو في الماضي وكما هو الان. وكان يجب ان تطرح مسألة الوحدة على الشعب وان يتم مناقشتها على اساس من مصلحة الشعب الجنوبي وليس على اساس الكذب التاريخي. تاج