في الثقافة الشعبية الإماراتية كلمة لها معانٍ ودلالات عدة، ومن معانيها الجميلة المنطق والأخلاق. قد يكون هذا المعنى غائباً عن الأجيال الجديدة، لكنه واسع التداول بين القدامى من أجيال ما قبل السبعينات. يصف الأولون عديمي المنطق بأنهم بلا معنى فيقولون (أنت ما عندك معنى) ويلفظونها امعنى، ويصفون حادثاً معيناً أو تقليداً معيناً أو صرعة جديدة بأنها بلا معنى ويقصدون انعدام منطقيتها. من جانب آخر فإن صيغة الجمع منها تعبر عن منظومة الأخلاق الإيجابية التي يتحلى بها المرء، فيقولون فلان (راعي معاني) أو فلان (راعي امعنى)؛ أي أنه صاحب فضائل وأخلاقيات إيجابية عالية، وهم يؤكدون دائماً على هذا المنظور لتقييم الناس والتعامل معهم. وقد عرّف القدماء علم المنطق بأنّه: آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ، وأرادوا بقولهم «آلة» أن علم المنطق هو من العلوم الآليّة، وبقولهم «قانونية» أنّ علم المنطق مكوّن من قوانين وقواعد عامة. ولكن كما هو واضح فإنّ هذا التعريف فيه الكثير من الضغط وخصوصاً على غير المتخصصين في هذا العلم، مع كونه تعريفاً دقيقاً. أما المنطق فيعرّف بأنه دراسة صور الفكر وطرق الاستدلال السليم، وفي المقام الأول يدرس في تخصصات الفلسفة والرياضيات وعلم الدلالة وعلم الحاسوب. ويعتبر أرسطو أول من كتب عن المنطق بوصفه علماً قائماً بذاته، وسميت مجموعة بحوثه المنطقية أورغانون، فكان القياس في نظر أرسطو هو صورة الاستدلال. ولكن بقيام النهضة الأوروبية ونهضة العلوم الطبيعية أصبح المنطق علماً مختلفاً نوعاً ما عن منطق أرسطو، فظهر منطق الاستقراء الذي كان رائده فرانسيس بيكون واستكمله بعد ذلك جون ستيوارت ميل. ولكن يمكننا أن نعرّف علم المنطق بشكل أسهل بحيث يستطيع الإنسان المثقف أن يفهم المراد من هذا العلم من دون أي تعقيد، ولا احتياج إلى الدراسة المعمّقة في هذا العلم فنقول: علم المنطق: هو العلم الذي يدرس القواعد والقوانين العامة للتفكير الإنساني الصحيح. أما الأخلاق فهي شكل من أشكال الوعي الإنساني كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين، وهي السجايا والطباع والأحوال الباطنة التي تُدرك بالبصيرة والغريزة. وبالعكس يمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاته. وأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخلق يكون قلبياً ويكون في الظاهر. ويعتبر الدين بشكل عام سنداً للأخلاق، والأخلاق هي دراسة، حيث يُقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله، أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق، وجعله عنصراً مكيفاً، أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية، ومجردة. ومن الأمثال والأقوال الشهيرة لدى الإماراتيين: المثل: لي ما يدانيك يخرّب معانيك، يدانيك تعني يحبك، ومعناه أن الذي لا يحبك يعمد إلى نزع فضيلة أخلاقك. القول: أنا دايس لْمْعَنى، أي إنه يعرف مغزى الأشياء ومنطقيتها. قول آخر: بزين المعاني سبيته، وبْلا معاني سباني، هذا قول شهير يعبر فيه الحبيب للمحبوب بفضائله التي استحوذ بها على محبوبه وأنه رأى العكس عند محبوبه. الإماراتيون في نظامهم الاجتماعي الموروث يركزون على (المعنى) بالمعاني التي ذكرناها سابقاً، الأخلاق والمنطق، لا يحيدون عن هذا الطريق القويم الذي ارتضوه لحياتهم وشخصيتهم، وقد ساروا على هذا النهج لأزمان بعيدة، وها هي أجيال الأمس تحث أجيال اليوم على أن يكونوا دائماً أصحاب معنى، منطق وأخلاق يرتقون بها إلى فضاءات الفضائل الرحيبة. كان المعنى يستسقى من البيت ومن مجالس الرجال والنساء، وكذلك من الأدب الشعبي الذي كان عماد التراث الثقافي، في الأمثال والأقوال والحكم والحكايات والشعر، وكانت هذه المنظومة تزرع المعنى في وجدان النشء الجديد بشكل جميل يدعوه إلى التمسك به والتحلي بفضائله، وبمخالفة المعنى يفقد الفرد مكانته اللائقة في المجتمع. [email protected] The post المعنى appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية