تقرير مصطفى يحيى: الغناء عبر مشواره الطويل هو إحدى وسائل التعبير التى تواجه الظلم والطغيان سواء كان من محتل أجنبى أو من ملك او رئيس للبلد. وهذا الاتجاه سجله التاريخ من خلال اغانى سيد درويش ضد الاحتلال الانجليزى وجبروته وكانت اغانيه بمثابة الدانة التى تزلزل الكيان المحتل. وكان الانجليز يرون ان اغانيه اكثر خطورة عليهم من الزعماء السياسيين انفسهم لأن الزعيم السياسى لن يستطيع ان يظل يخطب فى الناس طوال الليل والنهار لكن المطرب من الممكن ان يفعل ذلك او يتواصل من خلال وسائل اخرى مثل الإذاعة إلى جانب ان الغناء دائما يشحن الهمم. وظل هذا الوضع قائما واستمر فى كل الحقب المتتالية حتى استخدمناه فى حربنا ضد العدو الاسرائيلى وكان الغناء كالقنابل العنقودية التى تهبط عليهم من حنجرة ام كلثوم وحليم وعبد الوهاب ووردة وفايزة احمد ونجاح سلام وسعاد محمد وآخرين. واستمر الغناء فى الهزيمة والنصر. وعلى مستوى انتقاد الوضع الداخلى كان الشيخ امام ورفيق الكفاح فى الحياه العامة وداخل الزنازين احمد فؤاد نجم اكثر الذين استخدموا الغناء لنقد النظام خلال عهدى عبدالناصر والسادات انتشرت قصائد نجم التى لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار فى الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، فى البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل فى نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون. لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام فى أغانيه على الأحكام التى برأت المسئولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطى الحشيش سنة 1969 ولكن القاضى أطلق سراحهما، والأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء فى تاريخ الثقافة العربية. قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلان من سجن إلى آخر وكان يغنى وهو ذاهب الى المعتقلات أغنيته المشهورة شيد قصورك، حتى أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. ومع ثورة 25يناير عاد الغناء الى كفاحه السياسى سواء من خلال اسماء كبيرة مثل على الحجار ومحمد منير، وبالمناسبة كانا كلاهما خلال عصر مبارك يعطى بعض الامل من خلال بعض الاغانى ذات المضمون السياسى وكلاهما دفع الثمن. وإلى جانبهما ظهرت اغانى اخرى خلال يناير منها لشباب مثل حمزة نمرة ومحمد محسن ورامى عصام وآخرين والجميل ان هذا الشباب الذى يراه البعض يستند الى الثقافة الغربية فى الغناء الا انه خلق حالة جديدة لم تكن موجودة بهذا القدر. أصبح الغناء مواكبا لكل الاحداث السياسية سواء القتل الذى يحدث خلال المظاهرات او ترجمة للاحداث مثل اغانى على الحجار التى تناولت احمد حرارة الذى فقد بصره نتيجة مشاركته فى المظاهرات واتهمت فى ذلك الدوله واخيرا قدم اغنيه عن الشهيد جيكا الذى قتل خلال الاحتفال بذكرى عام على شهداء ومصابى شارع محمد محمود وقدم على سلسله من الاغانى عن ابرز الشهداء والاحداث مؤرخا لها. ومؤخرا ظهرت اغانى تنتقد ما حدث من سلق للدستور المصرى او بوصف آخر سرقته وآخرها ما قدمته فرقة «حالة» تعبيراً عن رفضها للإعلان الدستورى الجديد، الذى أقره الرئيس المصرى محمد مرسى، شارك أكثر من عشرين شابا من أعضاء الفرقة وعرضت الاغنية فى بعض الفضائيات بعنوان «سرقوا الدستور»، حيث وقفوا على رصيف شارع «محمد محمود» وبدأوا فى الغناء والعزف. «سرقوا الدستور يا شلنطة.. مع إنه كان فى الشنطة.. وأنا كنت عايز أعيش.. مش أى عيشة أونطة» ومن كلماتها ايضا.. سرقوه مع إنى مفتّح وسياسى قوى ومتنصّح.. ويا ريتنى ما رُحت أتفسح ونسيت الثورة فى طنطا.. سرقوه وبكيت م القهرة وهتفت فى ألف مظاهرة.. حالف بمقام الطاهرة لهبوّظ لهم الخلطة.. إحضرنا يا سيدنا الشيخ يا بوعقل ودين وتاريخ.. الدستور بقى بطيخ وإنت بتدّن لى فى مالطة، كلمات بسيطة هكذا عبرت بها الفرقة المسرحية الغنائية «حالة»، عن رفضها للإعلان الدستورى الجديد، ولدستور مصر عامة. فكرة الأغنية طرأت فى أذهان أعضاء الفرقة منذ فترة، لكن عندما أعلن الرئيس مرسى عن الدستور الجديد فى خطابه الاخير، الذى يعطيه صلاحيات مطلقة، قررت الفرقة فوراً، الانتهاء من الأغنية وتصويرها فى شارع محمد محمود. وقدم المطرب رامى عصام أغنية بعنوان «الكائن الإخوانى» تقول كلماتها «الكائن الإخوانى ملوش مكان فى ميدانى.. إحنا اللى عملنا الثورة ليه يركب هو مكانى. وطرح فريق «صوت الشارع» أغنية جديدة بعنوان «شعب بيحلم بالحرية» وهى إهداء إلى شهيد الحرية محمد جابر «جيكا»، وكل شهداء الحرية والأغنية كلمات وألحان بينو فارس. بهذه الاغانى عاد الغناء الوطنى الى احد اهدافه الاساسية وهو توجيه الراى العام وطرح ما يطرأ عليه من السلبيات التى تدخل على المجتمع او تغلف حياته السياسية الاهم انه لم يعد مرتبطا بالاسماء الكبيرة فقط لكنه اصبح ايضا وسيلة الشباب وبذلك اعطوا للمشهد السياسى صورة اخرى عن الشباب المصرى خاصة ان البعض يحاول ان يصورهم على انهم يستخدمون فقط لغة القاء الحجارة. كما ان النقد لم يعد قاصرا على اغانى الشيخ امام فقط التى كثيرا ما نستدعيها لإلهاب حماس الثوار. لكن الشباب اصبح لديه القدرة على تقديم ما يعبر عنهم بلغته الخاصة البسيطة فى الكلمة والمعنى وكذلك الجملة الموسيقية. وجاءت وسائل النشر الجديده لتمنح هذه الاعمال مزيدا من الانتشار فلم تعد فقط مرهونة برضاء قناة تليفزيونية او فضائية خاصة فهناك وسائل مثل اليوتيوب او مواقع التواصل الاخرى مثل الفيس بوك وتويتر.