صور وانطباعات عدة حاولت أن تنقلها مجلة «تايم» الأميركية، في موضوع غلاف نشرته أخيراً عن رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جانيت يلين، التي وافق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيينها في هذا المنصب في 6 يناير، وهي المرأة الأولى التي تتولى رئاسة البنك الاحتياطي الفيدرالي منذ تأسيسه عام 1913. فإلى جانب صورة تليق برئيس أركان أكثر منها برئيسة مؤسسة مالية، وضعتها المجلة على غلافها تحت عنوان "امرأة ال 16 تريليون دولار"، وهي توحي بأن جانيت بحضورها الطاغي جديرة بتولي مسؤولية الاقتصاد الأميركي. وتتحدث المجلة عن انشغال جانيت بالجانب الإنساني لتأثير الاقتصاد، باعتباره أمراً غير مألوف من موظفي تلك المؤسسة، بعد أن اختبرت داخل عيادة والدها الطبيب في منزلهم في حي الطبقة العاملة في بروكلين ما يمكن أن تتركه البطالة من تأثير على الأسر، وتناولت المجلة أيضاً تفوقها الدراسي، حيث اعتمد أستاذها في جامعة يال دفتر ملاحظاتها مرجعاً لمادة الاقتصاد الكلي التي يدرسها. كما تحدثت عن شخصيتها الهادئة وابتسامتها الدائمة الدفء، لكن المجلة التي لم تتطرق كثيراً لدور جانيت في الاحتياطي وسياسته النقدية المثيرة للجدل، سوى أنها كانت سباقة في التحذير من فقاعة الرهن العقاري، علماً أنها أمضت في أرجائه 36 عاماً، ترى تحديات هائلة أمام جانيت في السنوات المقبلة، في ظل سعي الاحتياطي الفيدرالي خفض برنامج التسهيل الكمي وتداعيات هذا الأمر على الاقتصاد. وجانيت التي ترعرعت ابنة لعائلة يهودية في حي الطبقة العاملة في بروكلين في خمسينات القرن الماضي، تقول عن تلك الفترة: "كان والدي طبيب عائلة وعاش ووالدتي خلال الكساد العظيم، وقد سمعت قصصاً كثيرة عنها. ورأيت عمال الموانئ والمصانع في بروكلين يدخلون ويخرجون من العيادة في المنزل يدفعون دولارين نقداً، أو لا يدفعون، حسب الظروف"، وتضيف إنها: "أدركت حينها ما يمكن أن تتركه البطالة من تأثير على الناس بالمعنى الإنساني". وبعد ذلك بخمسة عقود، وجدت نفسها بوصفها رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لسان فرانسيسكو في الخطوط الأمامية لأزمة الرهن العقاري في الساحل الغربي من أميركا. وتقول المجلة إنها كانت السباقة في طرح مخاوفها من أسوأ اضطراب اقتصادي منذ الكساد العظيم. وقد ساعدت في عام 2010 بوصفها نائبة رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في التخطيط لشراء تريليونات من الدولارات من الأصول لدعم الاقتصاد المهزوز، في عملية أطلق عليها سياسة التسهيل الكمي. ومن ثم جرى تعيينها في 6 يناير الرئيسة ال 15 للاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة. وبهذه الصفة، فإنها باتت مسؤولة عن تقرير كيفية تدفق الأموال ليس فقط في الولاياتالمتحدة، بل في مختلف أنحاء العالم. لحظة مهمة وهي تدخل هذه الوظيفة في لحظة حرجة، حيث يتعين على الاحتياطي أن يتراجع عن برنامج التسهيل الكمي، الأمر الذي قد يؤثر على الانتعاش، بتداعيات لا يمكن توقعها. والأمر المثير للدهشة أنها ستفعل ذلك مع الشخصين اللذين سيحلان محلها كنائبين لها، وهما كبير اقتصاديي البنك المركزي والرئيس السابق للبنك المركزي الإسرائيلي ستانلي فيشر. وقد درست جانيت على يد الأستاذ الكينزي الشهير جيمس توبن، وعلى يد الاقتصادي الليبرالي جوزيف ستيغلتز الذي يتذكرها "كأفضل تلاميذه". وتركيز عمل ستيغلتز كان يتعلق بإثبات أن الأسواق ليست كفوءة، وهو شارك جائزة نوبل مع مشكك آخر بهذه النظرية هو جورج أكريلوف الذي أصبح زوج جانيت لاحقاً. تقول جانيت عن زوجها إنه كان الداعم والمعجب الأول بها، مما مكنها من الموازنة بين الأمومة ومهنتها الأكاديمية، وتضيف: "كان لدي زوج ملتزم جداً بأن يكون شريكاً كاملاً في زوجنا، مما يعني أنه كان يعمل على تغيير الحفاضات وغسل الصحون"، مضيفة: "اعتقد أنه إذا قمت باحتساب ساعات العمل التي سجلها كل منا، فإنه بالتأكيد سيحصل على نسبة تتجاوز 50%". وجانيت التي دعم ترشيحها أكثر من 500 من كبار الاقتصاديين عملت مع زوجها كفريق اقتصادي، وقد توصلت إلى نظرية مفادها أن المشاعر الإنسانية لها أهمية في سوق العمل مستندة إلى خبرتها في توظيف مربية لطفلها للمرة الأولى. ويذكر الاقتصادي من جامعة ميتشغان جيم ادامز كيف ساعدته في تولي رئاسة الدائرة حول قضية تتعلق بالتسعير الاحتكاري في مقالة مشتركة مستوحاة من مشهد في فيلم "فايف ايزي بيسز"، يقوم خلاله الممثل جاك نيكلسون بطلب خبز توست، فيأتي الرد بأن ذلك لا يأتي ضمن الطلب، فيجيب نيكلسون وهو يحمل الدجاجة: "من يطلب سندويشا من سلطة الدجاج على توست من دون مايونيز أو زبدة أو خس". والورقة سلطت الضوء عن السبب الذي تحاول فيه الشركات جمع الخدمات بدل أن تبقيها متفرقة. يتحدث أدامز عن شخصيتها فيقول: "إذا كانت منخرطة في العلاقات الدولية، فأعتقد إنها إسقاط للقوة الناعمة، وهذا النوع من القوة هو الذي يدوم". تفوق أكاديمي تخرجت رئيسة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التي عينت في منصبها في 6 يناير الماضي، جانيت يلين، من مدرسة بروكلين بتفوق عام 1963 لكن أول يوم في مهنتها كان خلال درسها الأول في الاقتصاد الكلي في جامعة براون، وتنقل عنها مجلة "تايم" قولها: "أذكر إنني كنت جالسة في ذاك الصف وأتعلم كيف أنه يوجد قرارات سياسية كان يمكن اتخاذها خلال الكساد الكبير لرفع المعاناة الإنسانية، وكانت هذه لحظة بدء الاكتشاف بالنسبة لي". توجهت بعد ذلك إلى جامعة يال للحصول على الدكتوراه على يد الأستاذ الكينزي الشهير جيمس توبن، الذي اعتمد دفتر ملاحظاتها في الصف وأصبح مرجعاً لمادة الاقتصاد الكلي. يقول المستشار الاقتصادي وصديق مقرب من جانيت: "كانت تلك الملاحظات جيدة إلى حد انه تم تداولها لسنوات". ويذكر الأستاذ في هارفرد والاقتصادي المحافظ كين روجوف: "توبن قدم الملاحظات لنا وقال استخدموها، إنها أفضل بكثير من ملاحظاتي". البيان الاماراتية