الشارقة - محمد ولد محمد سالم: من الأنشطة الفنية اللافتة بين سلسلة المعارض التي تنظم في إطار الدورة السادسة عشرة لمهرجان الشارقة للفنون الإسلامية معرض "بيض العنقاء" المقام حاليا في متحف الشارقة للفنون والذي يضم أعمال 12 فناناً على 20 بيضة من بيض النعام، تعكس مختلف التيارات والمدارس في فن المنمنمات في إيران خلال مرحلة ازدهار الفنون الإسلامية . تمثل التصاوير البادية على كل بيضة حكاية من القصص القديمة كقصص ألف ليلة وليلة والشاهنامة وقصائد عمر الخيام ومجنون ليلى والحكايات الإيرانية القديمة، ففي أحد الأعمال رسم على البيضة مشهد الأميرة وهي تقدم الشاي للأمير وقد علتها سمات الخجل والحب، ووراءها تقف جاريتها استعداداً لتلبية طلبات الأمير، وذلك في أجواء تغلب عليها ألوان فاتحة تعكس الفرحة والبهجة التي تغمر الفتاة الجميلة في حضرة الأمير، وقد أطرت الرسمة بإطار ذهبي على شكل إطار المرآة، وفي الخلفية الخضرة والجبال المعشبة، وفي عمل آخر يقدم أحد الفنانين صورة للخزاف صانع الجرار والقوارير بلباسه الرمادي وغطاء الرأس الذي يقيه الشمس، وصدره العاري ووجهه الشاحب، وهو يلقي بنظراته إلى الأمام كأنما يبحث عمن يشتري منه بعض تلك الجرار التي ملأت المكان من حوله، وحولت عالمه إلى شحوب لا تخطئه العين . ومن الرسومات على البيض أيضاً مشهد لفتاة جميلة، وقد بدرت منها التفاتة دهشة مفاجئة أبرزت عينيها النجلاوين وخدها الأسيل، في إطار ذهبي تشكلت حوله شبكة من الزخارف النباتية، يغلب عليه اللون الذهبي لكن تتخللها الألوان الخضراء والزرقاء، وقد أعطت غلبة اللون الذهبي هالة مضيئة حول صورة الفتاة، زادت من التمايز المتناغم بين لون شعرها الطويل ووجهها الوضاء وفستانها الأحمر . تعكس تلك الرسومات في مجملها دقة ورهافة الأيدي التي صنعتها، وكونها أيدي متمرسة على صناعة التناسق والتناغم الغني بالألوان والمتناهي في الصغر، وهي براعة لا تتأتى إلا بعد مسيرة طويلة ومضنية من الممارسة، وتعني أيضاً أن فن الرسم على البيض بوصفه جزءاً من فن المنمنمات هو فن قار في إيران وله مدارسه وأسسه الراسخة . وهذا الفن هو أحد الفنون اليدوية التي عرفها الإنسان من آلاف السنين، وانتشر في أنحاء كثيرة من العالم، وقد اتخذ الفنانون الإيرانيون البيض كأحد الأسطح الدقيقة التي يطبعون عليها إبداعاتهم من فن المنمنمات، وهو رسم تمثيلي للحكايات الشعبية، كان يستخدم في الكتب مصاحبا لنص الحكاية ليكون شكلاً توضيحياً لها، ويتميز بالتناهي في الدقة، نظراً لصغر حجم المساحة التي يرسم فيها، كما يتميز بغنى الألوان وتناسقها مما يعكس الحاسة الجمالية لدى مبدعيه، لكن الفنانين لم يقتصروا على الكتب، بل انتقلوا بالمنمنمة إلى جميع الأسطح التي يمكن الرسم عليها، سواء كانت جدرانا أواني أو سجاداً، وأصبحت فناً زخرفياً شائعاً يستخدم للزينة مما زاد من ازدهاره، وشجع الفنانين على إتقانه، ويتصل بالرسم أيضاً فن الكتابة بالخطوط العربية على البيض . يحتاج الرسم على البيض إلى درجة عالية من التركيز، ورغم صغر المساحة فإن العمل الفني من هذا النوع يأخذ من الفنان وقتاً طويلاً جداً، قد يتجاوز أياماً بل أشهراً، ويتطلب جهداً عالياً في تنسيق الخطوط والألوان، ونظراً لضعف سطح البيضة وعدم تحمله للضغط فإن الفنان يحتاج إلى درجة عالية من الحذر كي لا يكسرها، ويستخدم في هذا الفن بيض الطيور بأنواعه، ويفضل الفنانون بيض النعام لسماكته وقوته وكونه أكبر حجما من غيره من أنواع البيض، وتثقب البيضة وينزع منها السائل ثم تجفف لكي تصير جاهزة للكتابة عليها . الخليج الامارتية