إبراهيم الملا (الشارقة) - ضمن الأنشطة النوعية لمهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة التي تأتي في إطار احتفالية «الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية 2014»، يحتضن رواق الفنون بالشارقة حاليا معرضا تشكيليا بعنوان «منمنمات»، بمشاركة نخبة من الفنانين الإماراتيين والمقيمين وهم: عبدالرحيم سالم، ومحمد القصاب، والدكتور عبدالكريم السيد، وخليفة الشيمي، وخالد البنا، ويوسف الدويك، ومنى عبدالقادر، وإيمان الرئيسي، وناصر نصر الله، وخالد المقدادي، وباسم الساير، الذين قدموا إحدى عشرة لوحة وعملا فنيا استوحت الأبعاد الجمالية والإيحاءات البصرية لفن المنمنمات العريق، بما يختزنه من ثراء في تصوير الشخصيات الأسطورية وأبطال الملاحم وقصص العاشقين في المخطوطات المغولية والفارسية والعثمانية والهندية القديمة، ومزج كل هذه التأثيرات الفنية البعيدة والخاضعة للذاكرة التاريخية، مع ما هو راهن وحيّ ونابض في التيارات الفنية المعاصرة والمنبثقة من فلسفة ورؤية كل فنان على حدة، واستنادا أيضا على تفسير الفنان لمفهوم «المنمنمة»، وإضفاء التأويل الشخصي المتفرّد، على جوهرها ومضمونها، بعيدا عن المحاكاة الشكلية المفتقدر للإبداع والتنويع والإلهام والتخييل. يأتي المعرض كنتاج وحصاد لورشة أقامها رواق الشارقة للفنون، بعنوان: «تأثير المنمنمات على أسلوب الفنان»، استمرت لأسبوع وشارك فيها الفنانون المنتمون للرواق، للعمل على لوحات بقياسات متشابهة، وصياغة أساليب تشكيلية معاصرة تقرأ فن المنمنمات من زوايا وانتباهات ذاتية متعددة، وكانت هذه القراءات الذاتية واضحة ومتجلية في الأعمال المشاركة من حيث تنوع الطرائق والمعالجات اللونية والحروفية والتشخيصية المختلفة مثل الكولاج، واللوحة التكعيبية، والجرافيتي، والرسومات المصحوبة بعناوين وتعليقات شعرية، في محاولة لإعادة تجسيد المنمنمة من خلال اجتهادات فنية، توائم بين الارتجال، وابتكار حقول بصرية مدهشة ومتجاوزة للنمط الكلاسيكي الموثق في مخطوطات السير والملاحم الإسلامية، وفي الحكايات الشرقية المصورة والمطبوعة على هوامش وزوايا النصوص المدونة في المتن. وفي هذا السياق، يشير الفنان ناصر نصر الله ل «الاتحاد» إلى أن عمله المشارك في المعرض، هو نتاج فكرة، وهوى شخصي، في المزج بين فن المنمنمات التاريخي، وفن «البوب آرت» المعاصر، الذي يعتمد على عرض المواد الاستهلاكية والمنتوجات التسويقية والدعائية في قالب فني، يتوسّل أحيانا نقد التوجهات الاستهلاكية في المجتمعات الحديثة، وقد يتضمن أيضا التمرد على المدارس الفنية القديمة ونزع صفة الكمال والإعجاز الفني عنها، وأضاف نصر الله أنه قسّم لوحته إلى جزءين، حيث يقدم في الجزء الأول صورة متخيلة لأميرة من العصور القديمة، وهي محتجزة في زجاجة مرطبات من ماركة تجارية حديثة ومعروفة، وفي الجزء الآخر نرى صورة الأمير العاشق المحتجز هو الآخر في زجاجة مرطبات لماركة تجارية أخرى، في محاولة منه لتثبيت العاطفة الإنسانية المشتركة، وتعميمها في كل الأزمنة والأمكنة، فالحواجز الوهمية للتاريخ والجغرافيا، لا يمكنها أن تلغي المكونات الوجدانية العميقة والمتقاطعة لدى البشر. وحول المواد المستخدمة في عمله أشار نصر الله إلى استخدامه لمادة الأكليريك في رسم الشخوص، على خلفية من الخشب العادي، وغير السميك، مع تحديد الأشكال بقلم التخطيط الأسود، وقال نصر الله إن اشتغاله على اللوحة استغرق منه ثلاث ساعات من العمل المتواصل، بعد تجهيز وإعداد الفكرة في ذهنه أثناء إقامة الورشة. وقدمت الأعمال الأخرى المشاركة في المعرض احتفاء لونيا واهتماما بالخطوط والعناصر، بما يتجاوز الطابع الزخرفي أو التزييني اللصيق بالشخصيات الخيالية والأسطورية في فن المنمنمة، بحيث امتازت بعض الأعمال بالسمة الواقعية والتوثيقية كما في لوحة الدكتور عبدالكريم السيد، الذي انحاز لراهنية الألم وشيوع العاطفة المنكسرة في فلسطينالمحتلة، من خلال استدعاء مقطع من قصيدة محمود درويش التي يقول فيها: «أحنّ إلى خبز أمي» فيما يشبه إعادة تدوير للذاكرة باتجاه ماض يتجدد، ويبرق مثل التماعة الخلود في أفق النضال واعتناق الحرية، ونرى في لوحة الفنانة منى عبدالقادر ما يشبه المنمنمات الحجرية الذائبة في النسيان، والثملة بحنين جارف ومرتعش في ضباب الوجد، وجسدت الفنانة هذا الفقد والشجن الداخلي في اعتمادها على كتل لونية متناسقة ومتصاعدة نحو البيوتات والحجرات العالية، والمشرفة أيضا على غيابات تنسلّ بمكر، تاركة حرائقها الخضراء هائجة ومندلعة في غابة الروح. ويستعين الفنان خالد البنا بالصور الفوتوغرافية الأرشيفية والقديمة، ليخلصها من أسر اللونين المحايدين (الأبيض والأسود) كي يبث فيها نوعا من الحيوية والحياة. وكأن فن المنمنة هنا ينطق بأسرار شخوص حقيقيين، خرجوا من ألبومات الصور العتيقة كي يثيروا غبارا من الذكريات العالقة بأحلامهم القزحية، ونظراتهم المتمازجة مع الطبيعة وألوانها. وفي عمل للفنان باسم الساير تتناوب التشكيلات اللونية الأفقية في السيطرة على فضاء اللوحة، ابتداء من اللون الأصفر الذهبي، ثم البرتقالي الفاقع، وصولا إلى الأزرق السماوي الذي تبرز من خلاله تقاسيم بنائية وعمرانية كما في الأبواب المقوسة، والنوافذ المستطيلة، مع دخول عناصر بشرية في عمق وزوايا اللوحة، والتي بدت في هيولى الانخطاف اللحظي، وكأنها عناصر مهمشة ومنسية خلف عواصف اللون، وخلف حضوره الطاغي والآسر، والمحتشد بفيوض عرفانية، تعرض النشوة ولا تسائلها، وتسمو بالتجليات دون أن تخضع لشرط الانجذاب نحو ما هو زائل ومحكوم بالمادة والجسد. الاتحاد الاماراتية