ويحرك هذا التشكيل الجديد ل القاعدة دائرة معركتها من آسيا التي فقدت فيها موطئ قدم مهم في أفغانستان منذ عام2001 بعد الهجوم الأمريكي عليها, ليتحول تنظيمها, منذ ذلك الوقت, من تنظيم هرمي إلي ما يشبه التنظيم الانسيابي المتواجد في كل مكان. ولم تجد القاعدة أفضل من القارة الإفريقية لتكون لها بمثابة أرض خصبة ومثالية تعيد فيها تشكيل نشاطها التنظيمي مرة أخري. فهناك الصحراء الشاسعة في منطقة شمال إفريقيا خاصة في الصحراء الرابضة بين ماليوموريتانيا والنيجر وجنوب الجزائر حيث يوجد في تلك المنطقة كل العناصر المساعدة لنمو القاعدة مثل المال الذي تجنيه من خلال الاختطاف وأخذ الفدية ومن خلال الجبال والصحراء الواسعة للتدريب والاختباء وإدارة المعارك والرجال الذين يمكن استقطابهم وتسليحهم بالإضافة الي ضعف وهشاشة تلك الدول. وسريعا ما أثبتت القاعدة وجودها في القارة السمراء, ونجح التنظيم مع حلفائه في بلاد المغرب الإسلامي في السيطرة علي مساحة في إفريقيا تصل إلي نحو نصف مليون كيلومتر مربع حيث يستخدم هناك قواعد للتدريب والتجنيد, باتت تمثل تهديدا لعدة دول مجاورة. واستطاعت القاعدة أيضا أن تستغل تحول بعض الثورات العربية إلي مواجهات دموية وحالة من الفوضي كما هو الحال في ليبيا ليشكل ذلك لها مناخا جديدا يرسخ تنظيمها في المنطقة. فورثت الكثير من السلاح بعد تفكك النظام في ليبيا ثم ورثت أيضا سلاح الجيش المالي, وبالتالي بدأت القاعدة تتحول إلي قوة ضاربة في تلك المنطقة. ويزيد من التحديات المعقدة التي تواجهها دول تلك المنطقة في مقاومة توسيع نفوذ ونشاط تنظيم القاعدة عدم وجود صورة واضحة عن علاقات الجماعات الإسلامية الراديكالية المحلية وأنظمتها الحاكمة مع القاعدة, واتباع تلك الجماعات للسرية في عملها, وتحالف القاعدة مع الانفصاليين الطوارق-حركة تحرير أزواد- في شمال مالي, وتجنيد عناصر إفريقية في صفوف التنظيم. وبعد تعاظم خطر تنظيم القاعدة في إفريقيا بهذه الصورة المفزعة, أصبح المجتمع الدولي والقوي الكبري تشعر بضرورة التحرك لوقف هذا التوغل الإرهابي الذي يشكل تهديدا جديا لعدة دول مثل الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وليبيا ومالي والنيجر ونيجيريا وتشاد. وفي هذا الصدد, أكد مسئولون امريكيون بالبيت الأبيض أن واشنطن عقدت اجتماعات ونقاشات سرية تركزت علي البحث عن سبل مساعدة جيوش المنطقة. وأبدت الولاياتالمتحدة مساعداتها العسكرية لجيران مالي واجرت مناورات عسكرية مشتركة مع جيوشها لمواجهة تنظيم القاعدة, بما فيها إمكانية التدخل الأمريكي المباشر إذا استمر نشاط القاعدة بلا كابح و منها استخدام طائرات بدون طيار. ومن جانبها قررت فرنسا استصدار مشروع قرار في مجلس الأمن يهدف الي الإعداد لموافقة لاحقة من الاممالمتحدة علي تدخل عسكري في مالي. أما قيادة افريكوم فتواصل عمليات الاستطلاع الجوي في إطار برنامج مصنف باسم رمل الجدول تنفذه قوات امريكية خاصة تتمركز في بوركينا فاسو. فضلا عن بعض الاقتراحات بتشكيل قوة لحفظ السلام تضم نحو3000 جندي من15 بلدا اعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا إكواس. في الواقع من الخطأ الاعتقاد بأن القاعدة يمكن أن تموت بموت بن لادن, فهذه منظمة تقوم علي النشاط والجهاد الإسلامي حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز أنه علي الرغم من القضاء علي أسامة بن لادن, فإن الشبكات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة تواصل انتشارها وبحثها عن معاقل جديدة عبر العالم, مؤكدة علي مدي قدرة هذه الشبكات علي التكيف. وقد أكد الكاتب الأمريكي ريتشارد مينتير صاحب كتاب- فقدان بن لادن- الذي حقق مبيعات قياسية أن هذا التنظيم الذي ينشط في الصحاري الشاسعة الممتدة من الجزائر مرورا بمالي والنيجر وصولا إلي موريتانيا, يريد أن يجعل من منطقة الصحراء الكبري أفغانستان المقبلة. [email protected]