تركز كثيرٌ من شركات ومواقع الإنترنت على الإعلانات الموجهة للمستخدمين، بحسب نشاطهم وعادات تصفحهم، كنموذج لتحقيق الأرباح، وتنتشر التقنيات التي تجمع البيانات حول نشاط مستخدمي الإنترنت عبر المتصفحات والمواقع، وأيضاً من خلال الهواتف الذكية، وهو ما يساعد المعلنين على توجيه الإعلانات إلى المستخدمين بحسب عاداتهم. لكن شركات صغيرة عدة تتجه حالياً لتقديم بديل آخر، وإعادة تصميم الهواتف الذكية ومتصفحات الإنترنت لتزيد من قدرة المستخدمين على التحكم في البيانات التي تُجمع عنهم، ويعتقد مؤسسو هذه الشركات أن جانباً كبيراً من المستهلكين يرغب في توافر بديل عن الخدمات الحالية التي تلتهم بياناتهم، كما يعتقدون أن بمقدور خدمات، مثل محركات البحث، العمل وتحقيق الأرباح دون جمع قدر هائل من المعلومات، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» الأميركية. ومن بين المشروعات الجديدة هاتف «بلاك فون» المقرر انطلاقه خلال الشهر المقبل، ويعتمد الهاتف على نظام تشغيل «أندرويد»، ويعمل كأي هاتف ذكي آخر، لكن مع إضافة تعديلات عدة لحماية خصوصية وأمن مستخدميه، وتقف وراء المشروع شركة «جيكسفون» الإسبانية لصناعة الهواتف الذكية، و«سيلنت سيركل» التي توفر تطبيقات لتشفير المكالمات الصوتية والرسائل النصية. وقال المؤسس المشارك في «جيكسفون» والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، خافيير أجويرا، إنه لا يُقصد من هاتف «بلاك فون» أن يكون مضاداً «لوكالة الأمن القومي» الأميركية، أو «إن إس إيه»، لكن الهاتف مُصمم ليتيح للأشخاص أن يقرروا ما إذا كانوا سيسمحون للشركات التي تكون ملفات شخصية عن سلوكياتهم بجمع المعلومات عن تصفحهم للإنترنت وتحركاتهم المادية أم لا. ولأجل تحقيق هذه الغاية، سيحجب متصفح الإنترنت على هاتف «بلاك فون» بشكل افتراضي تقنيات تتبّع الإعلانات، كما سيُعدل خاصية الاتصال اللاسلكي بالإنترنت «واي فاي»، بحيث لا يمكن تعقب الهاتف من قبل أدوات التتبع التي تستخدمها بعض متاجر التجزئة لجمع المعلومات عن معدل زيارات المتسوقين، والأماكن التي ذهبوا إليها في السابق. وإضافة إلى ذلك سيشتمل «بلاك فون» على برمجيات شركة «سيلنت سيركل»، التي أسسها فيل زيمرمان، لتشفير المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي يتبادلها مستخدم الهاتف مع المستخدمين الآخرين له أو لخدمات «سيلنت سيركل». وقال أجويرا إن هاتف «بلاك فون» يضع الخصوصية في المقام الأول، ويحاول أن يُعيد إلى المستخدم القدرة على اتخاذ القرار بشأن مشاركة معلوماته، وقال: «ربما يرغب بعض الأشخاص في الاستفادة من الإعلانات الشخصية، لكننا نعتقد أنه ينبغي أن تمتلك القدرة على الاختيار». وكانت الرغبة في منح خيارات أوسع للمستهلكين هي أحد الأسباب التي دفعت شركة «وايت هات سيكيوريتي» التي توفر الأمن لمشغلي المواقع، لإطلاق متصفح «أفياتور» المخصص للأجهزة العاملة بنظام «ماك»، العام الماضي، بحسب المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا إرميا جروسمان. ويستند «أفياتور» على المتصفح مفتوح المصدر «كروميوم» الذي طورته «غوغل»، ويستند عليه متصفحها «كروم»، ويحجب «أفياتور» إعلانات الإنترنت وتقنيات التتبع التي تستخدمها المواقع لتكوين ملفات شخصية عن عادات تصفح المستخدمين، كما يمنع التشغيل التلقائي لملفات الوسائط المتعددة كمقاطع الفيديو بتقنية «فلاش» في صفحات الإنترنت. وقال جروسمان: «أتمنى لو أننا لم نضطر لصنعه، لكننا اضطررنا لذلك، لأن السوق لم تستجب لاحتياجات الناس». وتقود كلٌ من «غوغل» و«مايكروسوفت» سوق متصفحات الإنترنت، وتستثمر كلتا الشركتين بقوة في إعلانات الإنترنت، وحتى متصفح «فايرفوكس»، الذي طورته مؤسسة «موزيلا» غير الهادفة للربح، لديه صلة بمجال الإعلانات؛ حيث تدفع «غوغل» الجانب الأكبر من تمويله، وقدمت الشركة في عام 2012 مبلغ 274 مليون دولار لجعل محركها البحثي الخيار الافتراضي في متصفح «فايرفوكس». وكان جروسمان قد برهن، العام الماضي، على إمكانية استخدام شبكات الإعلانات على الإنترنت لتوزيع ونشر البرمجيات الخبيثة على نطاقٍ واسعٍ، ومع ذلك يقول: «لسنا ضد الإعلانات، نحن ندعم الأمن والخصوصية». وفي الأصل طُور «أفياتور» بغرض الاستخدام الداخلي في شركة «وايت هات سيكيوريتي»، لكن بعدما تلقى جروسمان استفسارات عديد من أصدقائه وزملائه حول كيفية الحفاظ على الخصوصية على الإنترنت، قرر طرحه للاستخدام العام، وحتى الآن جرى تحميله عشرات الآلاف من المرات، وتعتزم الشركة إطلاق نسخة منه لنظام تشغيل «ويندوز» خلال الشهور القليلة المقبلة. وفي حين لا يرمي جروسمان لتحقيق الأرباح من وراء «أفياتور»، تتطلع «بلاك فون» والشركات الأخرى لجني الأرباح من تقنياتها ونسخ من الخدمات الاستهلاكية تُراعي خصوصية المستخدمين؛ فعلى سبيل المثال طرحت شركة «بوجوبلج»، لخدمات التخزين السحابية، جهازاً منزلياً بسعر 49 دولاراً لحجب الإعلانات من خدمة الإنترنت، كما طرحت «آد تراب»، التي استعانت بخدمات التمويل الجماعي، جهازاً بسعر 129 دولاراً لمنع ظهور الإعلانات في أي حاسب أو هاتف متصل بخدمة «واي فاي» في المنزل. ويدعم هذا الاتجاه جبرائيل واينبرج، مؤسس محرك البحث «دك دك جو»، الذي يرُكز على الاحتفاظ بقدر ضئيل من البيانات حول المستخدمين بالمقارنة مع «غوغل»، ويعتقد واينبرج أن تركيز المنتجات على الخصوصية لن يمنعها من تحقيق الأرباح. ووصف واينبرج القول بالحاجة إلى تتبع المستخدمين لجني المال بالأسطورة، ومع ذلك رفض الإفصاح عما إذا كان «دك دك جو» يحقق من العائدات ما يكفي لجعله مربحاً. وقال عن محركه البحثي: «إذا ما كتبت كلمة (الرهن العقاري) فنحن لا يجب علينا أن نعرف أو نخزّن شيئاً عنك للقيام بذلك». وشهد استخدام «دك دك جو» زيادةّ أكثر من الضعف في أعقاب تسريبات المتعاقد السابق مع «وكالة الأمن القومي»، إدوارد سنودن، حول تجسّسها ورقابتها على الإنترنت، وحالياً يعالج الموقع 3.4 ملايين استفسار يومياً. ويؤمن واينبرج بوجود عدد كافٍ من المستخدمين المهتمين بمصير بياناتهم لدعم الشركات الأخرى المماثلة لشركته. وقال: «أعتقد أنه تقريباً في كل فئة يمكن أن يكون لديك بديل أكثر خصوصية. حيث تقول سياسة الخصوصية إننا سنخزن القدر الأدنى من المعلومات التي نحتاجها، بدلاً من الاحتفاظ بأقصى قدر ممكن». الامارات اليوم