بعد إعلان الرئيس محمد مرسي عن استفتاء الشعب المصرى على الدستور الجديد ونتيجة لأن الشعب له تحفظات عديدة على أسلوب الاستفتاء نفسه عبر 60 عاما مضت، معتبرة أنه أداة لتزييف إرادة الأمة، فمنذ أن عرف المصريين نظام الاستفتاء والنتائج معروفه مسبقا 99,9% من إجمالى الناخبين أحياء وأموات، هذا الرقم جعل ثقافة المواطن عن هذا النظام سيئة للغاية، بالإضافة إلى إجماع خبراء الدساتير وأساتذة العلوم السياسية وأيضا السياسيين على أن هذا الأسلوب صنع خصيصا لتزييف وتزوير إراد الشعوب . وعلى مدى أكثر من 50 عاماً، شهدت مصر 16 استفتاء، جرت على اختيار رئيس الجمهورية، وتعديلات دستورية، وموضوعات سياسية متنوعة، ففي عصر عبد الناصر، جرى استفتاءان، وفي عصر السادات 6 استفتاءات.. وفي عهد مبارك 7 استفتاءات، كان ختامها، استفتاء حول تعديل 34 مادة من الدستور. وتجربة مصر مع الاستفتاءات، تنفرد بها بين دول العالم أجمع، كونها تجربة ترتبط بإرادة الحاكم، الذي يجند كل عناصر الدولة . سجل الاستفتاءات في مصر، مليء بالثغرات والتلاعبات.. سجل لا يعرف سوى الفبركة والتزوير.. فعلى الرغم من اختلاق موضوعات الاستفتاءات ال16 التي شهدتها مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مروراً بالرئيس الراحل أنور السادات، وحتى مبارك.. إلا أن النتيجة في كل مرة لا تبتعد كثيراً عن الرقم الشهير 99,9%، والتاريخ يؤكد أن الأنظمة المتتالية، استغلت الاستفتاء الشعبي، لاغتصاب السلطة من الشعب دون وجه حق وفرض إرادتها على إرادة الشعب. ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جرى استفتاءان، الأول في 16 يناير 1956.. وكان هذا الاستفتاء على أمرين، الأول: دستور 1956 وما تضمنه من تقنين إلغاء الأحزاب وإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، وغيرها من المواد.. أما الموضوع الثاني الذي تضمنه نفس الاستفتاء فكان اختيار جمال عبد الناصر رئيساً للجمهوية، وكان على المواطنين الإدلاء بآرائهم في الموضوعين معاً، إما بالموافقة على الاثنين أو رفضهما معاً، على الرغم من اختلاف الأمرين.. وبدأت لعبة الاستفتاءات في مصر، حيث جاءت النتيجة 99% بالموافقة على الدستور، وعلى اختيار عبد الناصر رئيساً للجمهورية. أما الاستفتاء الثاني، في عهد الرئيس عبد الناصر، فكان على الوحدة بين مصر وسوريا، عام 1958 وقد بلغ عدد الناخبين 9 ملايين، وجاءت النتيجة، 99.5% موافقة. أما في عهد الرئيس السادات، فجرت 6 استفتاءات، الأول منها كان في 11 سبتمبر1971، عندما دعا الرئيس السادات جموع المواطنين للاستفتاء على دستور1971، وما تضمنه من توسيع سلطات رئيس الجمهورية، ومنها تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء، وتولي السلطة التنفيذية، قد بلغ عدد المشاركين في الاستفتاء 7 ملايين و863 ألفاً و980 ناخباً، وعلى الرغم من معارضة قوى الشعب المختلفة لهذا الدستور، إلا أن نتيجة الاستفتاء جاءت بنسبة 98.99% بالموافقة. والاستفتاء الثاني، في عهد السادات.. كان على القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977، المتعلق بتشديد العقوبة على المتظاهرين والمشاغبين والمضربين عن العمل.. وقد شهد هذا الاستفتاء معارضة شديدة من نواب البرلمان، الأمر الذي دفع أحدهم إلى إرسال رسالة إلي رئيس الجمهورية، احتجاجا على عدم دستورية اللجوء للاستفتاء في تشريع القوانين. والنتيجة كانت أن أصدر البرلمان قراراً بإسقاط عضويته، باعتباره تهجما على رئيس الدولة، ورغم كل هذا استمرت الحكومة في إصرارها على تزييف إرادة الأمة، وأعلنت نتيجة الاستفتاء 99.42% موافقة.. وقد بلغ عدد المشاركين 9 ملايين و564 ألفاً و842 ناخباً. والاستفتاء الثالث، في 21 مايو 1978.. دعا إليه الرئيس السادات الشعب للاستفتاء على مبادئ حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، وذلك عقب قيام حزب الوفد باجتماعات ساخنة في الإسكندرية، ندد فيها بعدم نزاهة مسئولي الدولة، وقام حزب التجمع برفع دعوي قضائية مستعجلة، لوقف الاستفتاء الشعبي، إلا أن المحكمة قضت بعدم اختصاصها، وتم الاستفتاء، ونتيجة لذلك أصدر حزب الوفد قراراً بتجميد نشاطه، في 2 يونيو 1978 احتجاجاً على هذا الاستفتاء، كما حجب حزب التجمع جريدته "الأهالي" عن الصدور، وجاءت نتيجة الاستفتاء 98.29% موافقة، وكان عدد المشاركين قد بلغ 9 ملايين و385 ألفاً و23 ناخباً. والاستفتاء الرابع، جرى في 19 إبريل 1979، على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجاءت النتيجة بالموافقة بنسبة 95.99%، وعدد المشاركين 10 ملايين و998 ألفاً و675 ناخباً. والاستفتاء الخامس، في 23 مايو 1980، عندما تم دعوة الشعب للاستفتاء على تعديل دستور 1971، الذي سبق لمجلس الشعب الموافقة عليه في 30 إبريل 1980.. وجاء هذا الاستفتاء عقب تصاعد غضب المعارضة، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.. وكان التعديل على مادتين فقط.. الأولي المادة رقم "2"، وتمت إضافة حرفي "ال" فقط، فبدلاً من "مبادئ الشريعة مصدر التشريع"، أصبح "الشريعة المصدر للتشريع".. ولا شك أن هذا التغيير الطفيف يحمل معانٍ عديدة وجسيمة، أما المادة الثانية فهي رقم 77، والخاصة بمدة تولي رئاسة الجمهورية.. فبعد أن كانت: "يجوز إعادة انتخاب الرئيس مدة تالية"، أصبحت يجوز إعادة انتخاب الرئيس "مددا تالية"، أي إن حرفا واحدا تم تغييره، حمل البلاد تبعات وأزمات تعجز عن الخروج منها.. حرف واحد يعطي الحق للرئيس لاحتكار حكم البلاد مدى الحياة.. وجاءت النتيجة المعروفة والمحسومة والمفبركة، من قبل إجراء الاستفتاء 96.98%، وبلغ عدد المشاركين 10 ملايين و467 ألفاً و442 ناخباً. الاستفتاء السادس في 10 سبتمبر 1981، وهو الاستفتاء الأخير في عهد الرئيس السادات والثامن منذ ثورة 1952.. كان على مبادئ الوحدة الوطنية، والذي جاء عقب أحداث الزاوية الحمراء، وتم بمقتضى هذا الاستفتاء إضفاء المشروعية على الاعتقالات وكبت الحريات، وجاءت النتيجة 99.45%، وعدد المشاركين 11 مليوناً و59 ألفاً و827 ناخباً. وفى عهد الرئيس المخلوع مبارك.. جرت 7 استفتاءات الأول منها جرى في أكتوبر 1981 عقب اغتيال الرئيس السادات عندما تم دعوة الشعب للاستفتاء على اختيار مبارك رئيساً للجمهورية خلفاً للسادات، وكانت النتيجة الشهيرة "5 تسعات" أي بنسبة 99.999% قالوا "نعم" لمبارك، الأمر الذي عرض المصريين للسخرية بين العرب وغيرهم.. حيث تعرض وفد طلابي مصري زار لبنان في تلك الفترة للسخرية، عندما قال لهم أحد القيادات اللبنانية: إن تليفون مصر أصبح "5 تسعات"، وتوالت لعبة الاستفتاء في تزييف إرادة الشعب وتزوير رأي المواطنين. والاستفتاء الثاني، في أكتوبر 1987، والذي يعتبر الاستفتاء الأول بعد تولي الرئيس مبارك السلطة، تمت دعوة الشعب للاستفتاء على تجديد ولاية الرئيس مبارك، وجاءت النتيجة 99.5% موافقة، رغم اعتراض كل أحزاب المعارضة، وكافة القوى الشعبية على التجديد له. والاستفتاء الثالث في 1987.. تمت دعوة الشعب للاستفتاء على حل مجلس الشعب، وبالفعل تم حل المجلس. والاستفتاء الرابع، في أكتوبر 1993 تم استفتاء الشعب على تجديد ولاية ثانية لمبارك، وجاءت النتيجة 99.7%، والاستفتاء الخامس في أكتوبر 1999، لتجديد الولاية الثالثة لمبارك، جاءت النتيجة 99.8% موافقة، وقيل وقتها إن تكلفة الاستفتاء بلغت مليار جنيه. والاستفتاء السادس، في 25 مايو 2005، على تعديل المادة 76 من الدستور، والتي لا تقل عن نكسة 67 كما قيل.. وقد واجه هذا التعديل بالرفض الشديد من جميع أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات القضائية الذين قرروا مقاطعة الاستفتاء، بعد أن أطلقوا عليه يوم الحداد الوطني، كل هذا لم يطرف للحكومة رمشا، وتم الاستفتاء في يوم أسود وسط التزوير والتزييف، وجاءت النتيجة كما أعلنها وزير الداخلية 86.82% موافقة، وعدد المشاركين 17 مليوناً و184 ألفاً و302 ناخب. وكان السابع آخر صفحة في السجل الأسود للاستفتاءات في عهد الرئيس مبارك والخامس عشر منذ عهد عبد الناصر حتى الآن، على تعديل 34 مادة من الدستور دفعة واحدة، والذي قاطعته أحزاب المعارضة، نظراً لما تمثله هذه التعديلات من تعد على الحريات العامة وإقصاء القضاة عن الإشراف على الانتخابات، وجاءت النتيجة موافقة بنسبة 75.9%، وعدد المشاركين 9 ملايين و701 ألف، و833 ناخبا. ثم جاء الاستفتاء الأخير بقرار من المجلس العسكرى عقب ثورة يناير بتعديل عدد من مواد الدستوري في يوم 19 مارس 2011. بعد تعليق العمل بدستور 1971 من قبل المجلس الأعلى في 13 فبراير، بعد يومين من تنحي حسني مبارك، وقد نظم المجلس لجنة من القانونيين لصياغة التعديلات المقترحة لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات جديدة وجاءت نتيجته 77% بنعم. ويقول فقهاء الدساتير إن الاستفتاء الشعبي: هو أسلوب من أساليب الديمقراطية شبه المباشرة، أي الديمقراطية التي يشترك فيها الشعب مع البرلمان فيتولى الشئون العامة. ويقصد بالاستفتاء عرض موضوع عام على الشعب لأخذ رأيه فيه، ومن ثم فإنه يسمح للشعب بالاحتفاظ بحق البت في القرارات المهمة فلا يفقد سلطاته الأصيلة في ممارسة شئون الحكم. ولكن في مصر ومنذ أول استفتاء جرى في 23 يونيو عام 1956، وحتى آخر استفتاء جرى في 19 مارس 2011، تحول إلى وسيلة لتزييف إرادة الشعب، وللراحل الدكتور عصمت سيف الدولة المحامي البارز والمفكر المعروف كتاباً اسمه "الاستبداد الديمقراطي"، يشرح فيه كيف تحول الاستفتاء في مصر وعدد كبير من دول العالم الثالث، بل وفي فرنسا أيضاً إلى وسيلة لتزييف إرادة الشعوب، معتبرا هذا الأسلوب وسيلة من وسائل الاستبداد التي يستخدمها الحكام الطغاة لتزوير إرادة الشعوب باسم الديمقراطية . وكشف الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين أن تاريخ الاستفتاءات في مصر طوال السنوات الماضية أسود، باستثناء استفتاء 19 مارس 2011 الذى وضع آليات محددة ومواد تمس الشعب وتم بطريقة نزيهة معبرا عن إرادة الشعب ، وسيكون استفتاء 15 ديسمبر المقبل حول الدستور أكثر نزاهة. من جانبه اعتبر أحمد شرف المحلل السياسي الاستفتاء طريقة مشروعة، لكنه في مصر يستخدم كسلاح مضاد لإرادة الشعب ، بالإضافة إلى أنه بغير ضوابط معروفة، حيث يستفتى المواطنين على أمور عامة محل الاختلاف بقول نعم أو لا، فهناك عوامل كثير تجعل الاستفتاءات في مصر تستخدم لصالح الحكام سواء كان مبارك أو مرسي، العامل الأول عدم وجود ضوابط لعملية الاقتراع، والعامل الثاني أن هذه الاستفتاءات تتم على قضايا شديدة العمومية لا تخص المواطن بطريقة مباشرة، مما يجعله يتخلص من الأمر بسرعة؛ لأن النتائج لا تهمه، والدليل على ذلك استفتاء 19 مارس والذى أجبر المواطنين على تسير الأمور بالعكس فكما هو معلوم أن الدستور ينظم عمليات الاقتراع لكن ما حدث غير ذلك فتم انتخابات مجلس الشعب ثم الشورى إلى أن وصلنا ما نحن فيه.