بحث دارسو العلوم السياسية فى العالم كيف تُكتب الدساتير ليتبينوا مدى أفضلية عدم الاعتماد على المجلس التشريعى المنتخب فى وضع الدساتير. فقد قام فريق بحثي بجامعة برينستون بدراسة 200 دستور ظهرت فى دول العالم المختلفة في الفترة من 1975 وحتى 2003. وقد وجدت أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير عرفتها دول العالم المختلفة. إن أهم توصيات الدراسة أنه أولى خطوات كتابة الدستور هي الحوار المجتمعي و دائرة المفاوضات، خاصةً في الدول التي تحتاج التحول من النظام العسكري لنظام ديمقراطي, والتحذير من كتابه البرلمان للدستور. بغض النظر أن نسب كبيرة من الدول تكتب دستورها عن طريق البرلمان ولكن ظروفها مختلفة تماما عن مصر. عندما تقرأ كلام خبراء الأممالمتحدة ستجد بكل وضوح أن في الدول التي تمر بحالات مثل مصر، ينصح بكتابه الدساتير عن طريق حوار مجتمعي شامل، فقد كتب حرفياً أن في معظم الدول التي تمر بتحول من الحكم العسكري أو من نظام الحزب الواحد لنظام متعدد الأحزاب عادةً ما يتم كتابة دساتير هذه الدول عن طريق اجتماع الأحزاب والقوة السياسية المختلفة في دائرة المفاوضات، ثم يتم اتخاذ واحدة من هذه الطرق: 1) إما أن يقوم هذا الاجتماع بكتابة مسودة للدستور قبل عرضها على الشعب. 2) إما غالبا ما يقوم هذا المؤتمر باختيار مفوضين من كل الأحزاب وشخصيات ثقافيه عامة لكتابة الدستور. 3) إما يقم هذا المؤتمر بوضع معاير ومواد فوق دستورية يتم الاتفاق عليها قبل انتخاب أي جهة لوضع الدستور، ثم يتم الاحتكام في المحكمة الدستورية إذا كان تم وضع الدستور في حدود هذه المعاير أم لا. أكثر من ذلك فقد استنتجت الدراسة أنه عادةً ما يتم عدم اللجوء إلى كتابه الدستور عن طريق الأغلبية لصعوبة تكوين كيان حقيقي ممثل للشعب عن طريق الانتخابات في مثل هذه الدول، لأن الأحزاب السياسية تكون جديدة فيتولد حالة من عدم الثقة وأحياناً تفضي إلى العنف. وضح الخبراء أيضاً أن في كتابة أكثر من ثلث الدساتير ال200, تم استخدام مبادئ فوق دستورية ومعايير على ضوئها يتم انتخاب الكيان وكتابة الدستور الفعلي، فكثير من النسبة التي تم كتابتها عن طريق البرلمانات تم تحصينها من استئثار الأغلبية بهذه المعاير في مؤتمرات شعبية ومفاوضات! تخضع غالبية الدساتير فى النظم الديمقراطية لانتخاب جمعية تأسيسية يكون اختيارها عن طريق الشعب أو عن طريق البرلمان، وفى النظم غير الديمقراطية يأتى بأسلوب المنحة من الحاكم بصرف النظر عن شكل الدولة ملكية أو جمهورية، أما الأسلوب الثانى فهو "التعاقد" فى حين أن من يقر الدستور الحاكم أو البرلمان. أما الأساليب الديمقراطية فتقوم على اختيار الشعب وحده لطريقة نشأة الدستور، وتأخذ شكلين الأول ينتخب فيه الشعب جمعية نيابية تكون مهمتها وضع الدستور، الذى يصدر الدستور عن طريق ممثلى الشعب دون الحاجة إلى أى إجراء آخر، وتختفى السلطة التأسيسية هذه من مسرح الحياة السياسية بمجرد وضع الدستور، ونشأت هذه الطريقة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب استقلالها عن بريطانيا عام 1776، ثم انتشرت هذه الفكرة فى فرنسا عقب الثورة الفرنسية سنة 1791، وكذلك دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية وبعد الحرب العالمية الأولى فى النمسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا ومن الهند خلال الأعوام 1920 و1931 و1946 و1947 و1949 على التوالى. الأسلوب الثانى هو "الاستفتاء الشعبى" أو ما يسمى بالاستفتاء التأسيسى أو الدستورى الذى غالباً ما يكون وضعه بإحدى طريقتين إما عن طريق لجنة حكومية مؤهلة علمياً وفنياً أو لجنة منتخبة من الشعب، وفى كلتا الحالتين يعرض المشروع على الشعب للاستفتاء. ويرى كبار فقهاء القانون الدستورى فى العالم أن إعداد الدستور من لجنة منتخبة من الشعب على أساس الديمقراطية النيابية أى من قبل نواب الشعب أفضل من إعداده من قبل لجنة حكومية. وتعد جامعة برنستون في الولاياتالمتحدةالأمريكية أفضل 10 جامعات على مستوى العالم ليس هذا فحسب بل وكان يقوم بالتدريس فيها ألبرت أينشتين وهى جامعة عريقة فقد تأسست عام 1746 م. هناك بحث في هذه الجامعة قام بدراسة 194 دستوراً تم وضعهم في الفترة من 1975 م وحتى 2003 م وكان من نتائج البحث معرفة أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير في العالم في هذه الفترة،وقد كان أكثر هذه الطرق استخداماً هو أن يقوم البرلمان المنتخب من الشعب بوضع الدستور الجديد (42% من الدساتير موضع البحث = 81 دستور). والجدير بالذكر أن من الدول التي قام البرلمان فيها بوضع الدستور: - 4 دول أعضاء في مجموعة العشرين- أقوى 20 اقتصاد على مستوى العالم- وهى (تركيا،البرازيل،كوريا الجنوبية، جنوب أفريقيا) - 11 دولة أعضاء بالإتحاد الأوروبي وهى (أسبانيا، بلغاريا، التشيك، رومانيا، المجر، بولندا، اليونان، سلوفاكيا، سلوفينيا، لاتفيا، لتوانيا). - دول أخرى كثيرة نذكر منها (البرتغال، ألبانيا، أرمينيا، روسيا البيضاء، كرواتيا، أوكرانيا، مقدونيا، يوغسلافيا، جورجيا). و حسب الدراسة فهناك طرق أخرى مثل أن يقوم بوضع الدستور هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان (9% = 17 دستور). أو أن يقوم الحزب الحاكم بوضع الدستور (5% = 9 دساتير)، "ومن المعلوم أن الحزب لن يكون حاكماً إلا إذ كان هو صاحب الأغلبية في البرلمان". أي أننا إذا قمنا بجمع الثلاث طرق السابقة (42% +9% +5% =56%) نجد أن 108 دستوراً من ال 194 دستوراً محل الدراسة تم وضعهم بواسطة البرلمان بطريقة أو بأخرى. أما باقي الطرق التسعة فهي أما أن تضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب (17%)، أو تضعه السلطة التنفيذية (الحكومة) أو لجنة عينتها (10%)، أو لجنة تم وضعها بواسطة المستعمر لإنهاء الاحتلال (6%)، أو أن تضعه السلطة التشريعية الموجود في الفترة الانتقالية (6%)، أو المؤتمر الوطني (3%)، أو المائدة المستديرة (2%). ولكي نعرف النسبة الحقيقية لعبارة " لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور" فلنرجع إلى الدراسة نفسها فنجد فيها أن 17% من الدساتير موضع البحث تم وضعها عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مثل الحالة التونسية والتي حصل فيها التيار الإسلامي على أكثر من 40% من أعضاء الجمعية التأسيسية وهذا في تونس فما بالنا بمصر والتي حصل التيار الإسلامي فيها على أكثر من ثلثي المجلس؟!. إذن فقد ثبت بالبحث العلمي أن عبارة "لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور" عبارة غير دقيقة بالمرة ولكن يكررها النخبة بدون أن يعلموا أن الواقع مخالف لما يقولوه تماما هذا مع إحسان الظن بهم بأنهم لا يعلمون. إن دولة مثل بولندا فعلت تقريبا ما نفعل بالضبط، ولكن حدث تعثر بسبب بعض الأخطاء في التطبيق بسبب التشرذم الشديد في توزيع مقاعد الهيئة التأسيسية للدستور. فقد تم انتخاب مجلس تشريعي يتكون من مجلسين بمجموع 560 عضوا في عام 1990 م قام هؤلاء بتكوين لجنة من 56 شخصاً لصياغة الدستور، وللتباين الشديد في التوجهات الأيديولوجية فشلت اللجنة مع الهيئة التأسيسية في الوصول إلى نتيجة، فتراضوا على ما أسموه «The Little Constitution» أو الدستور البسيط بعد عامين من المناقشات. وبعد انتخابات أخرى في عام 1993 م تم تشكيل لجنة جديدة منبثقة مرة أخرى من المجلس المنتخب، استمعت إلى جميع وجهات النظر بما فيها الأحزاب التي لم تفز في الانتخابات، لكنها كانت تعبر عن التيار الرئيسي في المجتمع بالأساس. انتهت إلى مشروع دستور، تم التصويت عليه في البرلمان، حصل على أغلبية 90 بالمائة في البرلمان، ثم تم عرضه في استفتاء عام على الشعب صاحب السيادة عندهم، وحصل على دعم 57 بالمائة من الأصوات. وأرجو ملاحظة أن التوافق لم يكن موجوداً في الاستفتاء الشعبي حتى لا نعتقد أن نتيجة الاستفتاء لو جاءت بأقل من 80 بالمائة فهذا سيعنى حربا أهلية من وجهة نظر البعض". ولكن هل تعلمون أن هناك دستوراً تم وضعه منذ 225 عاماً وظل صامداً طوال هذه السنوات بل ولم يحدث به سوى 27 تعديلاً منذ عام 1787 حتى الآن؟،فما هو هذا الدستور؟ وما هي قصته؟ وكيف تم وضعه؟ وكيف تمت الموافقة عليه؟ تعالوا لنعرف هذا الدستور هو دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية والذي تم صياغته في 17 سبتمبر 1787 والذي قام بوضع مواد هذا الدستور سبعة أشخاص فقط أبرزهم جيمس ماديسون الذي عُرف بأبو الدستورالأمريكي حيث لعب دوراً هاماً في وضع دستور الولاياتالمتحدة عام 1787 م- بالتعاون مع ستة آخرين- (وقد أصبح جيمس ماديسون فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة). وكان هناك 55 مندوباً ممثلين عن 12 ولاية من أصل 13 ولاية تم دعوتها لوضع الدستور والتصويت عليه (حيث رفضت ولاية رود آيلاند في بادئ الأمر الانضمام إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية) وبالفعل تمت الموافقة على الدستور ولكن ليس بإجماع المندوبين فقد وافق على الدستور 38 مندوباً فقط من ال 55 ولكن تم الأخذ برأي الأغلبية،ومازالت أسماء ال 38 مندوباً الذين وافقوا على الدستور مكتوبة إلى يومنا هذا في الدستور الأمريكي. وأتفق المندوبون أيضاً على أن تعقد كل ولاية مؤتمراً خاصاً لمناقشة الدستور والتصويت عليه وبالفعل تم عرض الدستور على مجالس الولايات التشريعية للولايات ال 13 بعد دخول ولاية رود آيلاند للولايات المتحدةالأمريكية بعد أن كانت رافضة الانضمام في أول الأمر،وكان مجموع أصوات المجالس التشريعية للولايات 1657 صوتاً وافق منهم 1081 على الدستور وأعترض منهم 576 أى أن نسبة الموافقة على الدستور كانت 65% تقريباً. كانت هذه هي قصة نشأة الدستور الأمريكي ونأتي الآن للتعديلات التي تم إدخالها في الدستور لنعرف كيف تم تعديلها. نبدأ بمقولة قالها جيمس ماديسون أبو الدستور الأمريكي " في صياغتنا نظاماً نتمنى أن يدوم قروناً،يجب ألا تغيب عن بالنا التغيرات التي تأتي بها العصور " وبالفعل وضعوا آلية لتعديل الدستور إذا أرادت الأجيال القادمة تعديله وذلك في المادة الخامسة من الدستور. وها هو نص المادة الخامسة من الدستور الأمريكي والتي توضح كيفية التعديل: "يقترح الكونجرس إدخال تعديلات على هذا الدستور إذا رأى ثلثا الأعضاء في كل من المجلسين ضرورة لذلك، وله أن يدعو بناء على طلب المجالس التشريعية في ثلثي عدد الولايات إلى عقد مؤتمر لاقتراح التعديلات التي تصبح قانونية في جميع مقاصدها وأهدافها باعتبارها جزء من هذا الدستور في أي من الحالتين ما أن تتم الموافقة عليها بواسطة المجالس التشريعية لثلاث أرباع الولايات المختلفة، أو بواسطة المؤتمرات في ثلاثة أرباع الولايات وفق ما يقترحه الكونجرس بالنسبة لأي من هاتين الطريقتين بشرط ألا يكون لأي تعديل قد يوضع قبل العام الثامن بعد الألف والثمانمائة أي تأثير على البندين الأول والرابع من الفقرة التاسعة من المادة الأولى، وألا تحرم أية ولاية، دون موافقتها، من حقها في المساواة في التصويت في مجلس الشيوخ". أود هنا أن أعلق على ملابسات وضع الدستور الأمريكي وعلاقة ذلك بالوقت الحاضر والواقع الذي نعيش فيه أولاً:أن ال55 مندوباً عن الولايات ال 12 لم يكونوا يمثلون جميع أطياف المجتمع الأمريكي ولكن كلهم كانوا من البيض الأثرياء الذكور ولم يكن هناك أي تمثيل للسود أو الهنود الحمر أو الفقراء أو النساء بل إن حق المرأة في التصويت في الانتخابات لم يكن مسموحاً به حتى عام 1920 م أي بعد 133 عاماً من صدور الدستور. ثانياً:أن الدساتير بطبيعتها يجب أن يكون فيها آلية للتغيير كما ورد في المادة الخامسة من الدستور الأمريكي المذكورة آنفاً وبالتالي فمن الوارد أن يتم تغيير بعض مواد الدستور أو كله إذا لزم الأمر بآلية مذكورة في الدستور نفسه وهى بواسطة الكونجرس أى أننا عدنا إلى نقطة الصفر في أن الدستور الذي يضعه هو البرلمان بشكل أو بآخر. ثالثاً:أن الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور – أقصد ال 55 مندوباً – لم يحدث بينهم اتفاق كامل على كل بنود الدستور ولكن الذي وافق عليه عددهم 38 مندوباً فقط بنسبة 70% أي الثلثين وبالتالي فإن الرأي كان للأغلبية . رابعاً:بعد موافقة أغلبية الجمعية التأسيسية على الدستور تم عرضه على مجالس الولايات التشريعية لل 13 ولاية وتمت الموافقة عليه بالأغلبية أيضاً وبنسبة 65% تقريباً. وبالتالي فإن الأغلبية هي التي تحدد مصير الدستور سواء في الجمعية التأسيسية أو في العرض على الشعب. * الفكر السياسي يافع نيوز