أ.د. سامي سعيد حبيب في خضم الأحداث العظام التي تموج بها المنطقة العربية، تلك الأحداث التي تترك الحليم حيرانًا، تناقل الناس بكثافة عالية جدًا خلال الأسبوع الماضي على شبكة التواصل الاجتماعي مقطعًا بالفيديو لعدد من أبنائنا الشباب وهم يُحاورون راعي غنم سوداني بسيط، ويحاولون إغراءه بالمال ليُفرِّط في جزئية زهيدة الثمن من الأمانة التي تحمّلها كراعٍ لقطيع غنم، وهو يُحاججهم بحججٍ ومفاهيم إيمانية وشرعية يهتز لها القلب ويقشعرّ البدن، قالوا له: أعطنا نعجة نذبحها وقل لصاحب القطيع إنها هربت أو ضاعت ولك منا 200 ريال، فقال لهم: لو أعطيتموني 200 ألف ريال لما فعلت، وقال أيضًا: هل إذا كنت في الشبر سأقول ضاعت؟! سألوه ما الشبر قال القبر، قالوا له: لِمَ ذاك ولا يراك في هذه الصحراء أحد، فأشار بإصبعه نحو السماء فقال لهم: أليس الله يراني، أكثَروا من الإغراءات، فقال لهم: إن تنطبق السماء على الأرض أقرب لكم من أن أُفرِّط في الأمانة، قالوا له: هل أنت مرتاح نفسيًا بمرتّبك البسيط، قال: ما دمت آكل من حلال فأنا مرتاح نفسيًا، فرح المسلمون بذلك الراعي البسيط هو فرح التذكير بأننا ننتمي لأمة عظيمة هي خير الأمم، وأنه وحتى في هذا العصر الذي استُسهل فيه سرقة الملايين هناك بيننا من يضرب للأمانة الأمثال، تمامًا كأنه من جيل الصحابة والرعيل الأول، إنه الفرح بالانتماء (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). بالمقابل، هناك من نسوا مثل ذلك الانتماء وأخذوا يُقلِّدون الحضارة الغربية «الوثنية -اليهودية- النصرانية» في كل صالح من الأمر وطالح، من ذلك الذين يحتفلون من أبناء جلدتنا هذا الأسبوع بما يسمّونه عيد الحب (يوم القديس فالنتاين)، وانتشار مظاهر إحياء هذا العيد البدعة من تبادل للورود الحمراء بين الرجال والنساء، وارتداء البعض للملابس الحمراء شعار يوم الحب، الذي هو في أصله عيد من أعياد الوثنية الرومانية احتفالًا بإله الحب -بزعمهم-، وقد استمرت الاحتفالات بهذا العيد المزعوم لقرونٍ طويلة، ثم عند ورثتهم من النصارى في الحضارة الغربية المعاصرة، فكان الرومان يحتفلون منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالًا كبيرًا بعيد الحب، وكان من بين مراسيمه أن يُذبح كلب وعنزة، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدم باللبن، ومن ثم يسيران في موكب عظيم يتقدمه الشابان ومعهما قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكان النساء الروميات يتعرضن لذلك التلطيخ مُرحِّبات، لاعتقادهن بأنها تجلب الخصوبة، ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على احتفالات وثنية كثيرة منها عيد الشمس الذي دمجوه بعيد ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، ومنها عيد الحب السابق بعد أن حوروه إلى عيد للاحتفاء بشهداء الحب، ممثلًا في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلام الذي استشهد في سبيل ذلك بزعمهم، وسُمّي أيضًا (عيد العشّاق) واعتبروا (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم، وكان من طقوس هذا العيد عندهم أن تكتب الفتيات اللاتي في سن الزواج في لفافات صغيرة من الورق وتوضع في طبق على منضدة، ويدعى الشبان الذين يرغبون في الزواج ليختار كل منهم ورقة، فيضع الشاب نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يُعيدان الكرّة في العام التالي، يوم العيد أيضًا، وتطور ذلك التقليد مع الزمن إلى أن يرسل كل حبيب إلى محبوبته بطاقة تهنئة، ثم إلى شكله العصري في العالم الغربي. أنا على يقين بأن أغلبية المحتفلين بعيد الحب -المزعوم- من المسلمين لا يعلمون عن خلفيته الوثنية الرومانية شيئًا، ولا عن العقائدية النصرانية لعيد الحب، ولا عن رمزية القديس فالنتين فيه كشهيد للحب، وبالتأكيد لا يؤمنون بما فيها من ترهات، لكن من يستمرئ ويستخف بالاحتفال به فهو على خطر في دينه دون ريب، فالله تعالى يقول: (قل كل يعمل على شاكلته)، والرسول صلى الله عليه وسلم أنبأنا أن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب في الدنيا. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة