وقع الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفينش ومسؤولو المعارضة الجمعة اتفاقاً لإخراج أوكرانيا من أزمتها، بعد تقديم تنازلات كبرى للمعارضة بينها إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة وإصلاح دستوري، لكنها قد تبدو غير كافية بعد حمام الدم الذي شهده وسط كييف. وقال الرئيس الاوكراني في بيان: "اعلن إطلاق اجراء بهدف تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة"، لكن من دون تحديد موعد. وأضاف: "أطلق ايضاً عملية العودة الى دستور 2004" الذي يحد من السلطات الرئاسية لمصلحة الحكومة والبرلمان، وكذلك "تشكيل حكومة وحدة وطنية". وبذلك يكون الرئيس لبى ابرز مطالب المعارضة التي تحتل منذ ثلاثة اشهر ساحة الاستقلال في وسط العاصمة كييف. ومن جهتها، وافقت المعارضة الأوكرانية اليوم على إتفاق لإنهاء الأزمة التي تهز البلاد بعد مفاوضات ماراثونية بين الرئيس فكتور يانوكوفيتش ومبعوثين من الاتحاد الاوروبي، بحسب زعيم المعارضة اوليه تيانيبوك. وقال تيانيبوك: "تقررت المصادقة على قرار التوقيع على الاتفاق مع الرئيس بشرط ألا يكون وزير الداخلية الحالي في الحكومة المقبلة، واستبدال النائب العام"، وفق ما نقلت عنه وكالة انترفاكس الأوكرانية للانباء. وكان الرئيس الاوكراني أعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة كما ذكرت قناة "سكاي نيوز" اليوم، مشيرة إلى أن الرئيس الأوكراني أعلن كذلك "العودة إلى دستور 2004 مع تخفيض لصلاحياته". وشهد البرلمان الأوكراني شجاراً عنيف أثر الحديث حول عملية السلام. وكان الديوان الرئاسي في أوكرانيا أعلن فى وقت سابق أن المشاركين في المفاوضات العاجلة بشأن تسوية الأزمة في البلاد أجمعوا على توقيع إتفاقية خاصة بتسوية الوضع، في معلومات لم يؤكدها الديبلوماسيون الأوروبيون ولا أعضاء المعارضة المشاركين في المفاوضات، غداة حمام دم في كييف. وكشف بيان صدر عن الرئاسة، أورده قناة "روسيا اليوم" أن "المفاوضات الخاصة بتسوية الأزمة السياسية في البلاد بمشاركة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وزعماء المعارضة وممثلي الإتحاد الأوروبي وروسيا الإتحادية إنتهى، وتم الإتفاق على توقيع إتفاقية لتسوية الأزمة بالأحرف الأولى، متابعاً أنه "من المرجح أن يتم التوقيع على الوثيقة ظهر اليوم في مقر الرئاسة". وكانت مصادر ديبلوماسية أوروبية ذكرت أن المفاوضات العاجلة بين الرئيس الأوكراني وزعماء المعارضة في حضور الوسطاء الأوروبيين والمبعوث الروسي، توقفت صباح الجمعة بعدما استمرت طوال الليل. وقتل نحو 77 شخصا في مواجهات تجري منذ الثلثاء في كييف حين أطلقت الشرطة النار بالرصاص الحي على متظاهرين، وفق ما اعلنت السلطات. وكان الوفد الألماني وصف المفاوضات صباح اليوم بأنها "صعبة جداً"، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من جهته انه "لا يمكن قول اي شيء بشكل نهائي قبل الظهر". وكتب وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي على حسابه على "تويتر": "بعد مفاوضات إستمرت طوال الليل، توقف النقاش عند الساعة 7,20". واعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية البولندية مارسين فويشيشوفسكي لوكالة "فرانس برس" ان وزراء الخارجية الاوروبيون سيستأنفون محادثاتهم في كييف عند الظهر، مضيفاً أنه "بعد المفاوضات الماراتونية التي استمرت من الخميس وحتى الجمعة في كييف توقفت الان على ان يعقد لقاء مقبل ظهر اليوم". ولم تورد الرئاسة اي تفاصيل حول مضمون الإتفاق غير ان التلفزيون الاوكراني ذكر انه ينص على إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة في كانون الاول (ديسمبر) وتشكيل حكومة ائتلافية في غضون عشرة أيام وإصلاح دستوري خلال 48 ساعة. وان كانت هذه الإجراءات المعلنة تستجيب لمطالب المعارضة اساساً، الا انها تبدو اليوم غير كافية لتلبيتها، على ضوء اعمال العنف الاخيرة التي جرت. واعلنت المعارضة المسجونة يوليا تيموشنكو في تصريح نشر على موقع حزبها ان "ابعاد يانوكوفيتش فوراً والشروع بملاحقات بحقه بتهمة القتل الجماعي لمدنيين، يجب ان يكونا المطلب الوحيد للشعب والمعارضة والاسرة الدولية". وقضى وزراء خارجية المانيا فرانك فالتر شتاينماير وبولندا وفرنسا قسماً كبيراً من نهار امس الخميس وليل الجمعة في اجراء مفاوضات مع الرئيس يانوكوفيتش ومع قادة المعارضة الاوكرانية. ووصل ممثل عن الكرملين هو مندوب حقوق الإنسان والديبلوماسي السابق فلاديمير لوكين ليلاً للإنضمام الى المحادثات. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس حمّل الولاياتالمتحدة وأوروبا، مسؤولية الأحداث الجارية في أوكرانيا، فيما أعلن الكرملن أن الرئيس فلاديمير بوتين سيرسل الى كييف موفداً للمشاركة في وساطة مع المعارضة بطلب من الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش. واعرب رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك عن تشكيكه، قائلا: "ان تجاربنا تقول لنا ان الادارة الاوكرانية نادراً ما تفي بالإلتزامات التي تقطعها". وكان وزراء الخارجية الأوروبيون المجتمعون في بروكسل قرروا منع تأشيرات الدخول وتجميد ارصدة المسؤولين الأوكرانيين "الملطخة ايديهم بالدماء". كذلك، توعدت واشنطن بفرض عقوبات على "المسؤولين الحكوميين المسؤولين عن اعمال العنف" في رسالة نقلها نائب الرئيس جو بايدن مباشرة الى الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش، فيما دعا وزير الخارجية جون كيري الى وضع حد لأعمال العنف و"القتل الجنوني". وإنطلقت الحركة الإحتجاجية في أوكرانيا عند إعلان السلطة تعليق مفاوضات حول إتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي لصالح تكثيف العلاقات الإقتصادية مع موسكو، وعلى الأثر نزل الآف المتظاهرين الى الشوارع في 21 تشرين الثاني (نوفمبر). وتقف أوكرانيا على شفير الإفلاس ووعدت روسيا بمنحها قرضاً بقيمة 15 بليون دولار وتخفيضاً كبيراً في سعر الغاز. وارتفعت حصيلة المواجهات بين المتظاهرين والشرطة التي اطلقت النار بالرصاص الحي الى 77 قتيلا منذ الثاثاء، بحسب ارقام جديدة صادرة عن وزارة الصحة. وذكرت الوزارة ايضاً اصابة نحو 577 شخصا بينهم 369 نقلوا الى المستشفى. وكانت وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل ثلاثة شرطيين الخميس لترتفع حصيلة قتلى قوات الأمن منذ الثلثاء الى 13 قتيلاً. وفي لفيف، غرب أوكرانيا، أفادت السلطات المحلية عن العثور على جثتي شرطيين من قوات مكافحة الشعب الخميس في ثكنة احترقت. وتهدد اعمال العنف بالإنتشار في البلاد ولا سيما في لفيف معقل الإحتجاجات، حيث هاجم المتظاهرون في الأيام الأخيرة مبان تابعة للشرطة والجيش واستولوا على مخازن اسلحة. وقال دونالد تاسك ان "اسوأ سيناريو كنا نخشاه وهو سيناريو حرب أهلية بات واقعاً للأسف". وكان الوضع هادئا صباح الجمعة في ساحة الميدان في وسط كييف التي يحتلها الآف المعارضين ليانوكوفيتش منذ ثلاثة اشهر. وعادت الساحة تحت السيطرة التامة للمتظاهرين الذين يعززون الحواجز التي اقاموها في وسط المدينة ويستقدمون مواد غذائية والواحاً خشبية واطارات وزجاجات فارغة تستخدم لإعداد زجاجات حارقة. وتواجه مئات المتظاهرين الراديكاليين بالعصي والسلاسل المعدنية والحجارة وكذلك الزجاجات الحارقة وبعضهم يعتمر خوذات ويحمل دروعاً، مع قوات مكافحة الشغب التي ردت بالرصاص المطاط والقنابل المسيلة للدموع وكذلك بالكلاشنيكوف. وقالت الطبيبة اولغا بوغو موليتس أن "المتظاهرين قتلوا بطريقة محترفة جدا بنيران قناصة صوبوا على قلبهم او رأسهم أو شريانهم السباتي". وتفاعلت الصحف الأجنبية مع الأزمة الأوكرانية فأبدت إهتماماً ملحوظاً من ناحية العناوين والمضمون. ف"دايلي تلغراف" إعتبرت في افتتحايتها أن "الصمت ليس خياراً لأن الوضع الأوكراني معقد، في ظل تدخل الرئيس الروسي بوتين في الحكومة الأوكرانية، إضافة الى تقديم القروض المسهلة والمساعدات للحكومة للضمان تبعيتها". وأضافت أن "روسيا تضع دمى تابعة لها في الحكومة وتسعى للقضاء على الحريات والديموقراطيات في اوكرانيا"، معتبرة أن "روسيا تحاول استعادة نفوذ الإتحاد السوفياتي في سيطرته على البلدان المجاورة" . أما صحيفة ال"إندبندنت" البريطانية فدعت بافتتحايتها الرئيس الأوكراني "للرحيل، كون يداه ملطختان بدماء الشعب الأوكراني". واعتبرت أن "التظاهرات التي تحدث في اوكرانيا لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ حصار عاصمة البوسنة سراييفو"، مستغربة "عجز الإتحاد الأوروبي ازاء مواجهة الحكومة الأوكرانية". من جهتها، أعلنت صحيفة ال"نيو يورك تايمز" الأميركية أن "الإتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على الحكومة الأوكرانية اسوة بالولاياتالمتحدة". واعتبرت أن "الإتحاد الأوروبي بصدد إدراج لائحة بأسماء من تورط بقتل الشعب الأوكراني، وسيفرض عقوبات قد تضمن منعه من السفر"، مؤكدة أن "وزراء الخارجية تركوا مسافة للحوار مع الرئيس لتشجيعه على الحلول السياسية". واضافت الصحيفة أن موقف الرئيس الأوكراني يضعف شيئاً فشيئاً خصوصاً بعد تنحي رئيس بلدية كييف الذي يعتبر الحليف الأقوى للرئيس الأوكراني. موقع قناة عدن لايف