أحمد عمر باحمادي الانتقال الى صفحة الكاتب يُقال أن المصريين يفطرون إذا ما أفطروا بثلاثين بيضة مسلوقة، والعهدة على الراوي وما أكثر الرواة الذين يأتون إلينا من مصر بعد رحلة علاجية طويلة أو قصيرة الأجل، ليرووا لنا بشغف إضافة لعجائب أم الدنيا؛ عجائب المصريين الكثيرة في عنايتهم بتغذيتهم الجسمانية وتعدد وجباتهم البينية، وكميات وأوقات أكلهم وقدرتهم على تناول وجبات غذائية متنوعة ومتسعة رأسياً وأفقياً مما لا يستطيعه بالغ من بالغينا الهزيلين بمقابل طفل من أطفالهم، كل ذلك بعد أن نقول: ( ما شاء الله تبارك الله ) . للبيض قصة مؤلمة في هذا الوطن المسكين، فالبيضة عندنا قد وصل سعرها في أحيان كثيرة من ( 35 40 ) ريالاً وهي تتأرجح بين السعرين، ليستعر بينهما ذووا الدخل المحدود ليتناول الفرد منا بالكاد بيضة واحدة في يومه دون تكرار متواصل بمعنى أنه لا يمكن أن يتناولها بشكل مستمر في أيام حياته بالرغم من أهميتها الصحية وفائدتها الغذائية، لا لشيء إلا لأن الحال على قدّه، ولنضرب عدد البيض شهرياً في عدد متوسط كل أسرة لنستنتج أن هذه المستديرة البيضاء تحتاج لميزانية لا يقدر على مواجهتها ذالكم المواطن الفقير . العجيب في الأمر أن سعر البيض ثابت لا يتغير ولا يتزحزح أبداً إن لم يزدَد ارتفاعاً، ومن المعلوم لكل عاقل أن السلع كلها تتفاوت، ولكن لأن البيض إنتاج محدود بمدّة ومرهون بزمن معين بعدها ربما يتعرض للفساد فإنه يزيد في حين ويكثر في حين، فقد كان من الأولى أن يتأرجح بين الغلاء والرخص، لكن للأسف لا نجد الأمر ينطبق على هذا البلد، ففي بعض البلدان كالسعودية مثلاً نجد أن ارتفاع أسعار البيض الذي يحدث بين الفترة والأخرى يُرجع في حينه لأسباب يمكن أن نقول أنها معقولة من قبيل قلة الإنتاج المحلي والنقص في المعروض وزيادة حجم الطلب. إن غياب الرقابة على الأسعار وقلة التفتيش من قبل الجهات ذات الاختصاص كوزارة التجارة، وحتى جمعيات حماية المستهلك ونظراً إلى الأوضاع المتأزمة التي تعصف بالبلاد قد أعطى فرصة سانحة لمعظم التجار الجشعين أن يغالوا في أسعار السلع الغذائية عامة ومنها أسعار البيض، دون أن يكلفوا أنفسهم حتى تبرير ذلك الغلاء، وتجاهل الجهات الأخرى بعملية توعية المواطنين بأسباب الارتفاع الذي يضرب بجذوره منذ سنوات وسنوات دون تحريك ساكن، فمن الأهمية بمكان تفعيل دور الرقابة على السلع بما تمثله من أهمية بالغة في معيشة المواطن المحترق بنار الأسعار، ومن المحتوم على الجهات الحكومية أن تعمل على تخفيض الأسعار ومنها أسعار البيض، هذه المادة الغذائية الأساسية في السوق المحلية، وتسعى إلى التوسع في الإنتاج المحلي من البيض والدجاج، نظرا لما له من أهمية قصوى في توفير الأمن الغذائي للمواطنين حتى تكون الأسعار متمتعة بنوع من القدرة على الاستقرار بما يمكّن المواطن من تناولها بشكل منتظم. ومع يأس الناس من أية إصلاحات حكومية على الأقل في الوقت الراهن الذي عمّ فيه الانفلات في كل شيء، ربما لا تجدي سوى الجهود الشعبية في القيام بأية خطوات تصحيحية وهذا ما حدث بالضبط في الأرجنتين التي عانت في يوم ما من ارتفاع أسعار البيض فقامت بخطوة جماعية رادعة كانت كفيلة بأن تعيد التجار إلى رشدهم، ويعلنوا التوبة عن استفزاز المواطن المسكين فماذا حدث ؟ قبل سنوات مضت استيقظ الشعب الأرجنتيني صباح أحد الأيام وإذا بتجّار الدواجن والبيض قد اتفقوا على رفع سعر البيض كلهم مرة واحدة ، فقد عقدوا اتفاقهم دون أن يفكروا في لحظة واحدة أن هناك من لا يستطيع أن يجد قوت يومه، وأن هناك من يكّد النهار والليل ليسّد رمق أطفال جياع، هل تعلمون لماذا ؟ لأنهم تجّار جشعين لا يهمهم إلا ملء جيوبهم على عرق الناس كيفما اتفق. وفي خطوة جماعية جبارة كان المواطن الأرجنتيني ينزل إلى السوبر ماركت ويأخذ البيض وعندما يجد سعره مرتفعاً فإنه يعيده إلى مكانه، وهكذا كان حال جميع المواطنين الأرجنتينيين ولسان حالهم يقول" (خلّوه يفسد)، واستمر الحال على نفس المنوال. بعد أيام وكالعادة كانت تأتي سيارة التوزيع الخاصة بشركة الدواجن لتقوم بتنزيل الكميات الجديدة من البيض لبيعه، ولكنهم فوجئوا بأن أصحاب المحلات يرفضون تقبل أي كميات جديدة، فقام التجّار بإعادة الكميات إلى مستودعاتهم، وقالوا لنصبر أياماً قليلة لعل وعسى أن يعود المواطنون لشراء البيض. انتظر التجار أياماً واستمرّ الناس على مقاطعتهم للبيض كذلك، حينها تورط التجّار الجشعون بالبيض المكدس في الثلاجات والمخازن والمستودعات والبقالات دون مشترٍ، والدجاج الخائن في المزارع قد اتفق مع المواطنين وواصل إنتاجه من البيض ولم يتوقف ، إضافة إلى أن أصحاب المحلات لم يطلبوا أي بيض، فالبيض الموجود لديهم بالأسعار الجديدة مازال متسمّراً في الرفوف . بعد عدة أيام اتفق التجّار مجدداً على بيع البيض بسعره السابق قبل الارتفاع، ولكّن الشعب الأرجنتيني الأبّي ظل على موقفه السابق رافضاً أن يشتري البيض مرة أخرى لكي يتأدب التجّار ولا يعودوا للعبتهم القذرة مع الشعب، فعاد التجّار وخفضوا سعر البيض مرة أخرى، لكن الشعب العظيم لم يشترِ البيض . فكادت عقول التجّار أن تطير فالخسائر تتراكم والربح في خبر كان. أخيراً وبعد هذا الدرس المرير الذي لقنهم إياه الشعب الأرجنتيني اتفق التجّار صاغرين على أن يبيعوا البيض بربع سعره قبل الارتفاع مع تقديم اعتذار رسمي للشعب في الصحف بعدم تكرار ما حدث. هنا انتهت القصة وأصبح الشعب الأرجنتيني العظيم فائزاً في معركته ضد التجار الجشعين، ورابحاً بأنه يشتري البيض بخصم 75 % من سعره الأصلي . لقد قلت لنفسي بعد قراءة هذه القصة وبعد معاناتنا مع أسعار البيض، لماذا لا نفعلها كما فعلها الشعب الأرجنتيني، وبالفعل تحركت على أمل القيام بحملة مضادة بعمل ملصقات لمقاطعة البيض وأرفقت القصة معها ونشرتها على الفيسبوك على نطاق واسع، وانتظرت ردود الأفعال تجاهها، ولكنني للأسف فشلتُ فشلاً ذريعاً وتلقيت الكثير من الانتقادات وربما وصل الحال ببعضهم بالاستهزاء والتهكم بي على هذه الفكرة . لقد أخطأتُ خطأً فاحشاً عندما سمحتُ لنفسي بالمقارنة بيننا وبين الأرجنتينيين، ولقد نسيتُ بالفعل أننا شعب قد استمرأ الذل والهوان . مقالات آخرى للكاتب : دكتور أم ديكتاتور إلى متى ستبقى دراستناتحت رحمة العصيان ؟ ! تعليمنا التلقيني ومؤسساتة.. تحت المجهر الحضرمي اليوم الحضرمي اليوم