برأ قاض لبناني متحولة جنسيًا من تهمة "الجماع المخالف للطبيعة" التي تنص المادة 534 على معاقبة كل من يرتكبها، ليكون سابقة أولى في القضاء الجزائي اللبناني، معبدًا الطريق أمام لبنان لا يجرم المثليين. بيروت: ما بعد 28 شباط (فبراير) 2014 ليس كما قبله. ففي هذا اليوم، دخل لبنان نادي الدول التي لا تعتبر المثلية الجنسية جريمة يعاقب عليها القانون. وكان الدخول في هذا النادي بقرار قضائي من أحد القضاة اللبنانيين، برأ بموجبه إحدة المتحولات جنسيًا من التهم الموجهة إليها. ذكر وأنثى القاضي هو ناجي الدحداح، القاضي الجزائي المنفرد في المتن، الذي رسم خطًا جديدًا لما يمكن أن يعتبر تفسيرًا مختلفًا للمادة 534 من قانون العقوبات، وهي المادة التي استند إليها كل قاض حتى الآن لمعاقبة المجامعة المخالفة للطبيعة، أي لمعاقبة المثليين في لبنان، بحسب ما قالت المحامية مي محمود ل"إيلاف". وتضيف المحامية محمود: "في لبنان، أنت ذكر أو أنثى، ولا منزلة بين المنزلتين، ومن اراد غير ذلك، سيجد نفسه أمام طريق مسدود، تمامًا كما حصل للضحية، التي حكم القاضي دحداح لصالحها". والمدعى عليها ولدت شبه ذكر، وتسجلت في دوائر النفوس ذكرًا، وترعرعت ضائعةً بين الجنسين، وشبت على شعور بأنها امرأة ملزمة بالذكورة، فوجدت نفسها بين مطرقة المجتمع المحيط بها وسندان هرموناتها الأنثوية المحبوسة في جسد ذكر، حتى قررت أخيرًا تغيير جنسها في تسعينيات القرن الماضي، وزرع رحم اصطناعي، لتتم بذلك تحولها الطبيعي إلى امرأة كاملة، إلا في نظر الادعاء اللبناني. تقول محمود: "أوقفت المدعى عليها بتهمية ممارسة الجنس مع ذكور، من دون النظر إلى خلفية الأمر، وتم الادعاء عليها أمام القاضي الدحداح، لتكون أول محاكمة من نوعها أمام القضاء الجزائي في لبنان". الجنس من الحرية ولأن المحاكمة فريدة من نوعها وستكون سابقة أولى، تقول المحامية محمود إنها تابعتها والعديد من المحامين، "خصوصًا أن الرئيس الدحداح أمعن في التفكير في المسألة، متجاوزًا حرفية النصوص القانونية إلى ما بعدها، محاولًا الأخذ في الحسبان أمرًا مهمًا وهو أن ما يحدد ماهية الانسان هو سماته الشخصية، وليست السمات المنصوص عليها في أوراقه الثبوتية، فإن تعارضا، علينا العودة للانسان نفسه، وليس للسجلات". من هنا، قرأ الدحداح القضية من زاوية التطور الذي مرت المدعى عليها في مراحلها المختلفة، ولو أدت في النهاية إلى هوية معقدة قليلًا، ليست ذكرًا صافيًا وليست أنثى صافية، وهكذا اختار القاضي أن يجمع الجنسين، مانعًا مفهوم الجنس من ان يكون هو ما يحدد فعليًا منحى تطبيق المادة 534 من قانون العقوبات، مستعيضًا عن لك، بحسب محمود، بما يظهر من سمات جسمانية، وبما يشعر به الانسان من مشاعر، "إلى جانب مراعاة مبدأ المساواة بين المواطنين اللبنانيين، الأمر الذي كرسه الدستور اللبناني، والذي صان حريتهم الشخصية، طالما لا تسبب ضررًا لآخرين أو للمجتمع، والميول الجنسية تدخل ضمن هذا الاطار بالطبع". كوة في جدار تقول المحامية محمود ل"إيلاف": "نعم، ما قبل 28 شباط (فبراير) ليس كما قبله، فهذا الحكم الاستثنائي، والذي لا سابق له في لبنان، يعبد الطريق نحو إلغاء المادة 534 من قانون العقوبات، مع التذكير بقرار سابق، صدر في العام 2009، نفى عن الانسان أي فعل مخالف للطبيعة، لكن تبقى الأساس هي المعوقات الدينية، التي قد يصطدم بها أي توجه قضائي لإلغاء هذه المادة". فالمعروف إن التحول الجنسي والمثلية تتجاوز مسألة الرفض القضائي او قبوله، إلى أنها مسعى مخالف للطبيعة بالمفهوم الديني، الاسلامي والمسيحي على حد سواء. تقول محمود ل"إيلاف": "من هنا، قد يلاقي هذا الحكم معارضة قوية من رجال الدين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، فإن كانوا اتبروا الزواج المدني، الشرعي القانوني، حرامًا يحاربونه بكل ما أوتوا من قوة، فمستحيل أن يتقبلوا تحول لبنان إلى بلد يشرع التحول الجنسي، وينفي عن المثلة صفتها الجرمية". وهكذا، يفتح هذا الحكم كوة في جدار لبناني سميك، يصر رجال الدين على تسميكه اكثر فأكثر. والأمل العلماني اللبناني معقود على أحكام قادمة من هذا القبيل، توسع الكوة شيئًا فشيئًا، لتكون معبرًا نحو مواطَنة لبنانية أكثر إنسانية. ايلاف