من قال إن نجومية كرة القدم هي السبيل الوحيدة الى الثراء الفاحش؟ فها هو عالم الفيزياء النظرية البروفيسير ستيفن هوكينغ يثبت أن العلم لا يذهب جفاء بالضرورة، بعدما حصل على جائزة تقديرية تبلغ ثلاثة ملايين دولار... والسؤال الآن هو: ماذا يفعل بكل هذا؟ لطالما حلّق البروفيسيرستيفن هوكينغ بعقله في مجاهل الكون يستكشف هنا وهناك ويحاول فتح أبواب موصدة في هذا الأثير اللانهائي. لكن على عالم الفيزياء الأشهر في العالم أن ينزل الآن الى دنيا البشر ليحاول الإجابة على سؤال دنيوي بحت: كيف ينفق ثلاثة ملايين دولار وجدها في رصيده فجأة مع فوزه بجائزة غير متوقعة؟ هذه هي «جائزة الإنجاز مدى العمر في مجال الفيزياء الأساسية» التي أقامها في تموز )يوليو( الماضي ملياردير الإنترنت الروسي يوري ميلنر. وكان هذا الرجل قد هجر رسالة الدكتوراه التي كان يعدها في الفيزياء ليصنع ثروة طائلة من استثماراته في المواقع الاجتماعية مثل «تويتر» و«فيس بوك» و«غروبون». وقد خصص لجائزته ستة ملايين دولار ذهب نصفها الآن لهوكينغ. وتألفت اللجنة مقررة الفائزين بالجائزة من مجموعة من أبرز الفيزيائيين في العالم مثل إد ويتين المتخصص في «النظرية الخيطية»، وألان غوث صاحب نظرية «التضخم الكوني». وتتميز هذه الجائزة عن «نوبل للفيزياء» بأنها متاحة لصغار السن من الفيزيائيين أيضا كونها لا تتطلب الخبرة المعملية والميدانية لإثبات الجانب النظري. وتعليقا على فوزه بهذه الجائزة قال هوكينغ (70 عاما)، في رسالة بعث بها الى صحبفة «غارديان» البريطانية، إن الفيزيائي «لا يقذف بنفسه في مجاهل الكون إلا لمتعة اكتشاف ما لا يعلمه أحد وليس سعيا الى جائزة. ومع ذلك فإن هبة كهذه تؤدي دورا حيويا في تنوير العامة بالاكتشافات الفيزيائية وتلقي الكثير من الضوء على مكانة العلوم وترقّي اهتمام الناس بها تالياً». لكن يبدو أن هوكينغ – الذي صار علما على رأسه نار بعد إصدار كتابهA Brief History of Time «تاريخ موجز للزمان» (1988) – لم يقرر بعد كيفية إنفاقه المال الكثير الذي أتت به تلك الجائزة. على أنه قال في رسالته للصحيفة: «سأمد يد العون لشقيقتي في ما يتعلق بعلاج ابنها المصاب بالتوحد. وربما اشتريت منزلا للعطلات الصيفية، مع ان هذا لا يعني أنني أجد الوقت للراحة. فالحقيقة هي أنني أفضّل انشغالي الدائم بسبر شعاب الفيزياء النظرية». وقال عالم فيزياء الجزيئات الأميركي – الإيراني، نيما أركاني حامد، العضو بلجنة الجائزة: «ماذا يقول المرء في حالة ستيفن هوكينغ؟ هذا عملاق حقيقي عندما يتعلق الأمر بالفيزياء الحديثة بفضل إنجازاته الهائلة الأبعاد والمضامين في هذا المجال». وكان حامد يشير بهذا الى أشياء مثل اكتشاف هوكينغ أن «الثقوب السوداء» تبعث بالإشعاعات، ومساهمته العظيمة في «الجاذبية الكميّة»، ومظاهر الكون الابتدائية. وهوكينغ ليس الوحيد الفائز بذلك المبلغ الضخم. فهناك ثلاثة ملايين دولار أخرى اقتسمها العلماء الستة الذين أداروا في وقت أو آخر «مصادم هاردون» (أكبر مسرّع للجزئيات عالية الطاقة، شيدته المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية في سريسرا قرب الحدود مع فرنسا) واكتشفوا «ما يشبه جزيّئ هيغز بوسون». أما صاحب الجائزة، يوري ميلنر (51 عاما) نفسه، فهو صاحب شهادة ماجستير في الفيزياء النظرية من جامعة موسكو. وكان قد شرع في إعداد أطروحة الدكتوراه بالأكاديمية الروسية للعلوم لكنه هجرها الى دراسة إدارة الأعمال بجامعة بنسلفانيا الأميركية. ومع ذلك فهو يظل من أبرز المتحمسين لفكرة ترقية الفيزياء تنوير العامة بها. ولهذا الغرض وظّف قدرا من أرباح استثماراته الناجحة في مواقع الإنترنت الاجتماعية لإقامة هذه الجائزة.