أصبحت الطائرة الماليزية التي كانت تقوم بالرحلة رقم ام اتش 370 بعد إقلاعها من كوالالمبور متوجهة إلى بكين وعلى متنها 239 راكبًا لغزًا محيرًا حتى «أمس» وتناولت صحيفة بريطانية تحذيرات خبيرة عملت كمستشارة سابقًا بالبحرية الأمريكية، كولين كيللر، التي ساعدت في البحث عن حطام الطائرة الفرنسية التي تحطمت في رحلة من ريو دي جنيرو إلى باريس عام 2009، بأن الوقت ينفد للعثور على الطائرة الماليزية، بالإشارة إلى تحديد منطقة بحث معينة يعد في حد ذاته تحديًا رئيسيًا. وفي الأثناء، تشارك 5 طائرات أسترالية في البحث بموقع جنوب المحيط الهندي رصد قمر اصطناعي أجسامًا عائمة بسطحه، فيما اعتقد أنها ربما حطام الطائرة. وأعلن طاقم طائرة عقب عودتها عدم العثور على أثر يدل على الطائرة المختفية منذ أسبوعين. وتشارك طائرات وسفن حربية وتجارية في البحث عن الطائرة بالمنطقة بعدما رصد قمر صناعي تجاري حطامًا في المنطقة التي تعتبر من أوعر المناطق المائية بالعالم. وأخفقت المساعي الدولية الجارية في تحديد مصير الطائرة، التي قال شهود عيان، بأنهم شاهدوها تحلق على ارتفاع منخفض، وأشار آخرون إلى مشاهدة حطام، إلا أنها ادعاءات لم تثبت حتى اللحظة. يأتي هذا فيما أعلنت كوالالمبور أن عملية البحث عن الطائرة التي «تلاشت» تمامًا بعد ساعة من إقلاعها في 8 مارس/آذار برحلة إلى الصين، قد تستغرق وقتًا طويلًا وتوقع القائم بأعمال وزير المواصلات الماليزي، هشام الدين حسين، خلال موجز صحفي أن تستغرق عملية البحث عن الطائرة الماليزية، وقتًا طويلًا، لافتًا إلى صعوبة مواساة عائلات الركاب،، مضيفًا: «السؤال الذين يريدون معرفته بحق لا نملك إجابة عليه، وهو أين أحباؤهم؟.. وأين الطائرة؟.» ويمثل الاختفاء المفاجئ للطائرة الماليزية أحد أندر كوارث الطيران ويزيد الغموض عدم معرفة الدولة التي سقطت فيها الطائرة. فيما توجد كارثة واحدة فقط مماثلة وقعت في الآونة الأخيرة وهي تحطم طائرة إير فرانس 447 في المحيط الأطلسي عام 2009 وهي في طريقها من ريو دي جانيرو إلى باريس. بينما يعيد حادث الطائرة الماليزية للإذهان أغرب وأندر قصص كوارث الطائرات، فيما بين الانتحارات التي قام بها الطيارون أو تسببهم في إسقاط طائراتهم بسبب سوء حالتهم النفسية. كارثة أغادير وقصص انتحارات الطيارين كثيرة وغريبة دائما، وإحداها حدثت في العالم العربي، حيث أنه وفي 21 أغسطس 1994 تحطمت طائرة مغربية طراز ATR-42-312 فرنسية- إيطالية الصنع بمحركين، فقضى كل من فيها: الطيار يونس خياطي ومساعدته الأجنبية صوفيا فوغيغي، وطاقم من اثنين مغاربة، ومعهم 40 راكبًا، نصفهم سياح صعدوا إليها من مطار «أغادير المسيرة الدولي» في رحلة رقمها 630 وتستغرق 45 دقيقة إلى نظيره «محمد الخامس الدولي» البعيد بالدار البيضاء 378 كيلومترًا. أظهرت التحقيقات أن الطائرة فقدت توازنها بعد 10 دقائق فقط من إقلاعها ليلا ووصولها إلى ارتفاع 16 ألف قدم، ثم ظهر فجأة على شاشة الرادار أن الكابتن خياطي نفسه انحرف بها إلى أسفل كما طيار حربي انقض بها على أحد الأهداف العسكرية. وبدقائق معدودات ارتطمت الطائرة الصغيرة متفجرة بركابها في منطقة بجبال أطلس، يسمونها Douar Izounine القريبة 32 كيلومترًا من مدينة أغادير. وأكدت التحقيقات التي استندت بشكل خاص الى بيانات الطائرة بعد العثور على صندوقيها الأسودين، أن الكابتن خياطي «أوقف الطيار الآلي عن العمل فجأة» وأمعن في إسقاطها عمدًا حتى حقق ما أراد، فقضى بعمر 32 سنة مع جميع من كانوا على متنها، وأهمهم شهرة كان عمره 38 سنة، وهو الشيخ الكويتي علي الحمود الجابر المبارك الصباح وزوجته الشيخة معتزة. والشيخ علي هو شقيق من كان وزيرًا للدفاع عام الحادثة، الشيخ أحمد الحمود الجابر الصباح، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي السابق، ومع أخيه قضى أيضا 20 مغربيًا، بينهم طفل واحد، إضافة إلى 18 سائحًا: أمريكي و8 إيطاليين و5 فرنسيين و4 هولنديين. نحر نفسه و 97 آخرين وهناك حادثة انتحار شهيرة أيضًا لطيار هوى بطائرة «بوينغ» تابعة لشركة «سيلكير» السنغافورية التي أكدت تحقيقات أجرتها «هيئة سلامة النقل والطيران الأمريكية» بأنه قام في 19 ديسمبر 1997 بإسقاطها عمدًا، فقتل نفسه منتحرًا، ونحر معه 97 راكبًا كانوا على متنها، ومعهم طاقم من 7 أفراد. ويبدو أن دماغ الطيار، تسو واي مينغ، الموصوف بالتقارير أنه كان كتلة مصائب وعقد نفسية مكتومة، تعطل وهو يقود الطائرة «بعد أزمة اكتئاب حادة لم تمهله» وداهمته داخل قمرة القيادة فجأة، فقام وشجّ رأس مساعده النيوزيلندي بقطعة معدنية ضربه بها، وسجل صوتها الصندوق الأسود مع تأوهات المساعد الشاب، ثم أوقف الطيار الآلي وانحدر بالطائرة إلى مثواها الأخير. من أجل عيون مطلقته كما توجد انتحارات أخرى شهيرة، منها لطيار روسي استولى في 1976 على طائرة طراز «أنتونوف 2» وارتطم بها في عمارة بمدينة «نوفوسيبيرسك» الروسية، حيث تقيم مطلقته التي كان يحبها، بهدف قتلها وقتل نفسه معها، فقضى هو و11 من سكانها، أما الزوجة السابقة فحالفها الحظ وبقيت حية. وهناك ميكانيكي ملم بعض الشيء بالطيران وعمره 23 سنة، دخل بعد طرده من العمل إلى مرآب للطائرات العسكرية في مطار بوغوتا، عاصمة كولومبيا، واستقل طائرة طراز HS-748 وقادها إلى إحدى ضواحي المدينة، ثم هوى بها قاتلًا نفسه واثنين آخرين. وأحدث انتحارات الطيارين كان في 29 نوفمبر الماضي، حين كان طيار يقود طائرة طراز «إمبراير» برازيلية الصنع وتابعة للخطوط الموزمبيقية، فانحرف بها فجأة وهوى إلى منطقة أدغال في ناميبيا، منتحرًا بحسب ما أكدت التحقيقات، وناحرًا معه طاقمها من 6 أفراد، إضافة إلى 27 راكبا. والوحيد الذي كان صاحب ضمير بين المنتحرين، ولم ينحر معه أحدا، كان الكابتن كريس فاتسوي، وهو من بتسوانا بإفريقيا، وتلخص قصته الطويلة بقيامه عمدًا في 11 أكتوبر 1999 بإسقاط طائرة قادها عند الصباح من دون ركاب، وكانت من طراز المغربية ATR-42-312 التي أسقطها الطيار خياطي بجبال أطلس، وهوى بها الى مطار «غابورون» عاصمة بتسوانا، محطما 3 طائرات أخرى من الطراز نفسه. الكنز الذهبي لكن تصور أن طائرة ركاب تسقط في بحر بيروت، المستقرة أجواؤه بلا أنواء ولا عواصف معظم العام، ولا يعثرون عليها طوال بحث استمر عشرات السنين، ولو لم يلفظ البحر بجثث بعض ضحاياها لتصبح مرئية للعيان لما صدق أحد بأنها تحطمت فعلًا وهي في طريقها إلى الكويت، ومنها إلى البحرين لتسليم «كنز ذهبي» كان على متنها، وقيمته التقديرية بسعر هذه الأيام أكثر من 17 مليون دولار. اختفاء تلك الطائرة هو الأغرب بين اختفاءات بحرية لعدد قليل جدًا من طائرات لم يعثروا عليها في البحار والمحيطات للآن، فيما يعتبر أكثرها شهرة، تلك التي ابتلعها بحر بيروت، الواردة معظم تفاصيلها في صحف تطرقت إليها قبل أكثر من 56 سنة، وحصلت عليها ذلك الوقت من تحقيقاتها الميدانية وما لدى شركة «لويدز» للتأمين، ومما أصبح أرشيفا دمويا في «المديرية العامة للطيران المدني» في لبنان. وبعد 17 دقيقة من إقلاع الطائرة، وهي لبنانية بمحركين، وكان على متنها طاقم من 4 أفراد و23 راكبا إلى الكويت، مع شحنة سبائك ذهبية للبحرين، وزنها 400 كيلوغرام موضبة في 15 صندوقا معدنيا، يتلقى منها برج المراقبة بمطار بيروت عند الثانية إلا 11 دقيقة بعد ظهر 3 أكتوبر 1957 أول نداء استغاثة. كان النداء بصوت طيارها شكر الله أبي سمرا، وقاله بذعر واضح: «آلو، آلو..أنا كابتن ال Curtiss C-46 التابعة لشركة «إيرليبان» المتجهة للكويت. أنا على ارتفاع 10 آلاف و500 قدم فوق صيدا (مدينة تبعد 40 كلم عن بيروت) والطائرة بدأت تشتعل بالنار. أطلب العودة للقيام بهبوط اضطراري». وأسرع برج المراقبة بالرد: «O.K سنتخذ كل الاحتياطات ونقدم الضروري من أمن ورجال إطفاء». ورد الطيار بعد دقيقتين: «أنا على ارتفاع 6 آلاف قدم، والطائرة تهبط. أعتقد أنني لن أنجح بالوصول للمطار». وبعدها بدقيقتين أيضا صرخ شكر الله أبي سمرا: «أصبحت على ارتفاع 1500 قدم. فقدت السيطرة على الطائرة، كل الطائرة. لست مسؤولا. لم تكن.. لم تكن غلطتي». ثم ساد الصمت المؤلم. في ذلك اليوم الذي عرف فيه لبنان أول كارثة طيران بتاريخه، تعرف العالم أيضا إلى ما كان وما يزال أغرب اختفاء لطائرة على الإطلاق، فهي لم تسقط في محيط عملاق، ولا وسط بحر عظيم اللجات كغيرها من المختفيات، بل قريبا 18 كيلومترا فقط من المطار، وفي محيط مائي أقصى بعده عن البر 13 كيلومترا، مع ذلك لم يعثروا على حطامها طوال 56 سنة مرت على سقوطها مشتعلة بالنار الى الماء. معها استقبلت الأعماق أيضا جثث الطيار ومساعده وبقية الطاقم من شخصين، وجميعهم لبنانيون، إضافة لركاب لم يسلم منهم أحد.. قضوا جميعهم حرقا وغرقا، وكانوا 13 لبنانيا و4 بحرينيين و4 بريطانيين وكويتي وأمريكي، ولم يعثروا إلا على جثث 14 منهم بعد عمليات بحث طويلة في أجواء مستقرة كمعظم بدايات الخريف في بيروت. أما البقية، فجثثهم اختفت، كما الطائرة تماما، ربما لأنها بقيت داخل هيكلها الذي ذكروا أنه استوى عند عمق 1400 متر، وهو معدل عمق المحيط البحري الملتف حول بيروت، لكنه ليس بعيدا عن برها، وفق بيانات ومعلومات توصلت اليها تحقيقات لبنانية ودولية أفادت وقتها أن التيارات ربما جرفت بقية الجثث الى متاهات في المتوسط، بحيث كان صعبا العثور عليها فيما بعد. طائرات الركاب.. والغموض !! لا تهيمن نظريات المؤامرة على أي أحداث بقدر ما في حالات تحطم طائرات ركاب في ظروف غامضة، فغياب المعلومات لتفسير وقوع مثل هذه الكوارث، يدفع الناس للبحث عن أجوبة، واختفاء أثر الرحلة 370 للطيران الماليزي، سيعيد طرح هذه النظرية. فعلى سبيل المثال عندما هوت الرحلة 800 لطيران «تي دبليو أيه» TWA الأمريكية عقب إقلاعها بقليل من مطار جون كيندي الدولي بنيويورك، وقتل 230 شخصًا كانوا على متنها، في 17 يوليو1996، عمليات استرداد الحطام أعاقها سقوط الطائرة في المحيط الأطلنطي، وبعد قليل شاعت نظرية اسقاطها من قبل جماعة إرهابية مسلحة بواسطة صاروخ أرض- جو. ودعمت روايات شهود عيان تلك النظرية، أضيفت إليها بعد 3 أشهر، مزاعم المراسل السابق لقناة «إيه بي سي» ABC، بيير سالينغر، والذي عمل سابقا كسكرتير صحافي للرئيس الأمريكي الأسبق، جون كيندي بإعلانه، خلال مؤتمر صحافي، أن سفينة حربية أمريكية أسقطت الطائرة المنكوبة بصاروخ، وهو استنتاج زعم أنه توصل إليه من وثيقة منشورة على الإنترنت، على حد قوله. ورد بوب فرانسيس، رئيس مجلس الإدارة السابق المجلس الوطني لسلامة النقل الأمريكي، مهاجما سالينغر بوصفه ب»المعتوه الذي لا يدري عما يتحدث» وإنه «شخص غير مسؤول. وخلصت نتائج تحقيقات مكثفة، استغرقت 4 أعوام قام بها المجلس بأن الطائرة تحطمت إثر انفجار خزان الوقود المركزي نجم عن امتزاج الوقود سريع الاشتعال بالهواء. وبعد حادث «تي دبليو أيه» بثلاثة أعوام تحديدا في 31 أكتوبر 1999، سقطت طائرة تابعة لمصر للطيران في المحيط بعد الإقلاع من مطار جون كيندي، وقتل أكثر من 200 شخص في الحادث (حادثة البطوطي). ومباشرة أحيا الحادث نظرية «المؤامرة» المحيطة بتحطم «تي دبليو أيه»، إلا أن مجلس النقل الأمريكي، الذي ينظر إليه باعتباره أكثر الوكالات الدولية خبرة في مجال التحقيق بحوادث الطائرات، خلصت تحقيقاته المطولة التي استغرقت 3 أعوام، إلى أن أحد الطيارين ويدعى جميل البطوطي، تعمد إسقاط الطائرة، وهو استنتاج لم تتقبله السلطات المصرية، التي عزت من جانبها الحادث إلى عطل ميكانيكي. هلاك في الجو والأرض أما في حالة تفجير الرحلة 103 ل»بان ام» PAN AM الأمريكية فوق اسكتلندا في 21 ديسمبر 1988، وقتل في الحادث كافة ركاب الطائرة ال270، بجانب عدد آخر على الأرض، فقد أعلن جوفاف أفيف، الذي يقدم نفسه على أنه مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب بإسرائيل، والذي استعانت به شركة الطيران الأمريكية للمشاركة في التحقيق، بأن لديه دليلا بأن جريمة قتل ركاب الطائرة نجم عن عملية لوكالة الاستخبارات الأمريكية «سي أي أيه»، لم تجر على النحو المخطط له، ولم يقدم أي أدلة تدعم استنتاجه. وخلصت الحكومة الأمريكية لاحقا بوقوف الحكومة الليبية وراء الحادث، الذي أقر به الليبيون بأنفسهم. النظر إلى الحوادث الثلاثة قد يطرح أمامنا عددا من الأسباب، التي ربما تسببت في سقوط الطائرة الماليزية 370 ويتراوح بين: عطل ميكانيكي، خطأ بشري أو الإرهاب، وفي هذه الحالة علينا الحذر بأن لا نسمح بأن تطغى نظرية المؤامرة على الواقع، فالحقيقة ستتكشف لكن عبر تحقيق دقيق ومتأن. المزيد من الصور : صحيفة المدينة