فازت كلمة "غروكو"، وهي مختصر "التحالف الكبير"، بلقب أفضل تعبير سياسي لعام 2013، لكن "غروكو" حكومة انجيلا ميركل الثالثة في نفس العام لم يكن الأفضل في كافة الأحوال. ماجد الخطيب: اعتادت الصحافة الألمانية، ومنذ عقود، على تقييم عمل الحكومات المتتالية بعد مرور الأيام المائة الأولى على تشكيل كل حكومة. وتكفي نظرة سريعة على تاريخ الحكومات الألمانية ما بعد الحرب العالمية الثانية لكشف حقيقة ان حكومات التحالف الكبير (غروكو) تلكأت أكثر من غيرها في النهوض بالمهمات التي وعدت المواطنين بها. ويطلق التحالف الكبير "غروكو" على التحالفات الحاكمة التي تنشأ بين المحافظين والاشتراكيين. ونشأت مثل هذه التحالفات، التي تحكم البلد دون معارضة تذكر، ثلاث مرات في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، في سنة 1969، و في سنتي 2005 و2013 اللتين قادتهما المستشارة الحالية ميركل. التلويح بالسوط لإيران... والعقوبات لروسيا كانت السياسة الخارجية، والتقارب مع الرئيس الاميركي بوش على حساب التقارب الذي أقامه سلفها الاشتراكي جيرهارد شرودر مع الرئيس الروسي بوتين، على رأس قائمة اهتمام ميركل منذ حكومتها الأولى عام 2005. وهددت المستشارة المحافظة، في أول خطاب لها بعد توزيرها على غروكو عام 2005، ايران بالسوط قائلة ان"من لاينصاع إلى المجتمع الدولي... ينفع معه السوط" (18/11/2005). نقول هذا لأن أزمة القرم، والخلافات الأوربية مع روسيا، كانت أيضا في مقدمة اهتمامات غروكو 2013 بقيادة المستشارة الحديدية. وهذا أول انتقاد وجههته الصحافة الألمانية إلى أداء حكومة ميركل الثالثة التي تراجعت وعودها بالانجازات الأجتماعية أمام اهتمامها بقضايا القرم. إلا انه من الواضح ان لغة "السوط" لاتنفع في ترويض الدب الروسي المدجج بالرؤوس النووية، ففضلت ميركل التلويح بالعقوبات الاقتصادية، وهي عقوبات ستنعكس سلباً على الاقتصاد الألماني أيضاً، لأن ألمانيا تعتمد إلى حد كبير على الغاز الروسي الذي يمر عبر اوكرانيا، وهو المشروع الملياري الذي وقعه جيرهارد شرودر في الوقت الضائع من فترة حكمه عام 2005. إذ وقع المستشار الاشتراكي اتفاقية الغاز مع صديقه بوتين بعد خسارته للانتخابات أمام ميركل، وقبل ان تؤدي الأخيرة اليمين الدستورية. مع العقوبات ضد ايران جازفت ميركل بصادرات ألمانية ترتفع إلى 5 مليار يورو إلى إيران، إلا أن استثمارات الشركات الألمانية في ايران كانت مضمونة من قبل الدولة الألمانية ضمن اتفاقيات"هرمز". وتجازف المستشارة اليوم باستثمارات ألمانية ترتفع إلى 20 مليار دولار تحقق سنوياً دخولات قدرها 40 مليار يورو(عن احصائيات وزوارة الخارجية الألمانية). فمن سيضمن مثل هذه الخسارة للشركات الألمانية العاملة في روسيا؟ عثرة البيدوفيليا كانت انطلاقة غروكو 2013 سريعة، ولم يسبق لأي تحالف عريض بين المحافظين والاشتراكيين، أن انجز بهذه السرعة. واتفق الطرفان على معظم مفردات البرنامج الاقتصادي والسياسي المقبل، إلا ان طريق التحالف لم تنقصه العثرات. لايمكن وصف التحالف بين الحزبين الكبيرين بالزواج الكاثوليكي بأية حال، لكنه كان دائما أقرب إلى زواج "مسيار" يرمي إلى الاتفاق على برنامج طريق حد أدني، وتمشية امور البلد وصولاً إلى الانتخابات المقبلة. بمعنى آخر ان الطرفين يفضلان تقاسم الحكم، وتقديم التنازلات المتبادلة، على المجازفة بخيار اعادة الانتخابات. حصلت العثرة الأولى في طريق تحالف المحافظين والاشتراكيين بعد الكشف عن علاقة للنائب الاشتراكي سيباستيان ايداتي بدوائر تهتم بأفلام وصور الجنس مع القاصرين. والحق يقال ان القضية لم تتحول إلى فضيحة إلا بعد تورط وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش، من الاتحاد ااجتماعي المسيحي، في القضية. وسبق للمحققين قبل عشر سنوات ان كشفوا عن نسبة كوكايين عالية في سوائل مراحيض البرلمان الألماني، إلا أن ذلك لم يطح بأحد. كشفت التحقيقات ان وزير الداخلية خرق التعليمات التي تفترضها التحقيقات السرية وابلغ ايداتي حول التحقيق السري الجاري بشأنه. اضطر ايداتي لاحقاً، بعد افتضاح القضية، للاستقالة تحت ضغط حزبه مدعياً المرض، لكن ميركل اضطرت إلى قالة وزير داخليتها أيضاً على مضض. وأدى ذلك تراكم الجليد داخل أوصال التحالف الحاكم، وخصوصاً بعد مطالبة المحافظين لنظرائهم الاشتراكيين بضرورة اقالة رئيس الحزب الاشتراكي، ووزير المالية، زيغمار غابرييل لتأخره في اقالة ايداتي، بمثابة تعويض عن اقالة فريدريش. وكان غابرييل عرف من فريدريش مسبقاً تورط ايداتي بالبيدوفيليا. وتسببت هذه الخلافات بعدم تمرير أي من مفردات البرماج المشترك على البرلمان الألماني طوال اسابيع رغم ان التحالف الحاكم يهيمن على 504 مقعداً برلمانياً مقابل 127 مقعداً لأحزاب المعارضة الصغيرة. قضايا اجتماعية عالقة وجدت حكومة ميركل الثالثة نفسها في خضم التطورات السياسية والاقتصادية الأوربية منذ اليوم الأول لتشكيلها. وإذ كانت قضية دعم بلدان اليورو المنهارة في جنوب القارة امتداداً لمهمات الحكومة الماضية، فقد كانت قضية التدخل الروسي في اوكرانيا تتويجاً لثورة"الميدان" في كييف التي دعمتها ألمانيا بقوة. وهكذا، وكما هي الحال مع حكومات ميركل السابقة، تفوق النشاط الدبلوماسي على نشاطها الاجتماعي. أزاح التحالف الحاكم موضوع دعم المتقاعدين، ومشروع تقليل القسط الشهري للتقاعد، من على طاولة البحث. وبقي مقترح منح التقاعد لمن بلغ 63 سنة من العمر(بشرط ان يكون قد عمل 45 سنة مستمرة) معلقاً. تم تأجيل مقترح رفع مخصصات الأطفال حتى العام 2016. ويبحث وزير المالية فولغانغ شويبله حالياً عن مصدر لتمويل مبالغ التقاعد من الميزانية العامة، بعد ان كان التحالف قد اتفق على توفيرها من الضرائب على الشركات الكبرى. فشل التحالف حتى الآن في الاتفاق على مقترح وزير المالية غابرييل القاضي بفرملة ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء. ويقال ان اجتماع حكومة التحالف المخصص لبحث قضية الحد الأدنى لاجور العمال كاد ينتهي باللكمات بين وزراء المحافظين ووزراء الاشتراكيين. وزراء بلا خطط أخذت مجلة "دي زايت" الاسبوعية المعروفة على التحالف الحاكم ان الرأي العام لم يلحظ وجود خطط معينة ينتهجها الوزراء في وزاراتهم، والظاهر ان معظمهم سيواصل النضال مع إرث الوزير الذي سبقه، وبكل روتينة. وعدا عن وزيرة الدفاع اورسولا فون دير لاين التي اعلنت عن نيتها بث المزيد من الحياة الاجتماعية في الجيش، وتوسيع مهمات الجيش في البلدان المنكوبة، وعدا عن وزير المالية الذي يتفنن في توفير المليارات لليونان حفاظاً على الاتحاد الأوربي، لم يطرح أي وزير ما يمكن أن يعبر عن نهج خاص في قيادة وزارته. لم يطرح وزير الداخلية، ولا وزير الخارجية، تسوية مقبولة من الاميركان لفضيحة التجسس الأميركي على السياسيين والاقتصاديين الألمان. ولم يحقق أية خطوة جديدة برنامج التحول إلى الطاقة البديلة الذي وضعه حزب الخضر مع المستشار السابق جيرهارد شرودر عام 1998. وصف هورست زيهوفر، زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، أداء الحكومة"بالرائع"، وقلل الزعيم الاشتراكي زيغمار غابرييل من صيغ المبالغة بهذا الانجاز بالقول ان ما تحقق كان"جيداً"، إلا أن ميركل نفسها عبرت عن رضاها فقط. وإذ منحت الصحافة درجة 80% للحكومة في سياستها الخارجة خلال الأيام المائة المنصرة، فانها منحتها درجة 10% في المجال الاجتماعي. مع ذلك أعلنت ميركل عزمها على انتهاج سياسة خارجية نشيطة، وعلى توسيع مهمات الجيش الألماني في الخارج في اطار المهمات السلمية. على أية حال، لايبدو ان هذه الحقائق قد أثرت في شعبية التحالف الحاكم ككل، ولا في شعبية حزبيه الكبيرين. وجاء في احصائية آخر برامج"البارومتر السياسي"، الذي تعده مجموعة أبحاث "فالن"، ان التحالف الديمقراطي المسيحي حقق نسبة 41% تاركاً نسبة 25% إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي. وهذا لايعني سوى قيام تحالف كبير جديد لو ان الانتخابات أجريت الآن بعد مرور100 يوم على تقلد حكومة ميركل الثالثة منصبها. ايلاف