عندما كانت الجماعات الإرهابية تعتدي على حياة منتسبي الجيش والأمن كانت قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع في العاصمة صنعاء في حالة «جاهزية قتالية » ... لمواجهة بعضها ! تقرير: إبراهيم غانم عززت تطورات الأيام الماضية مجددا ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح الحوار الوطني، وفي مقدمة الاجراءات المطلوبة لذلك: توحيد قوات الجيش والأمن . تسريع هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وإنهاء انقسام قوات الجيش والامن كان، ومازال، مطلبا وطنيا عاما منذ استيعاب ذلك في اتفاقية نقل السلطة وتنظيم المرحلة الانتقالية، لكنه اليوم أشد إلحاحا من أجل الدخول في مرحلة الحوار الوطني الشامل، وهو ما أكدت عليه اللجنة التحضيرية للحوار في تقريرها النهائي للرئيس هادي بعد أن أقرته ضمن 20 نقطة ضمنتها رسالة إلى رئيس الجمهورية في أغسطس الماضي قالت إنها إجراءات ضرورية من أجل التهيئة للحوار . أشرت الاختلالات الأمنية والاحداث الارهابية الأخيرة التي طالت حياة منتسبي الجيش والأمن في أكثر من مكان، وإمدادات الطاقة الكهربائية والنفطية وشبكة الالياف الضوئية، أشرت على تزايد نشاط الجماعات والتنظيمات الارهابية التي تجد في انقسام الجيش والأمن مناخا يمدها بأسباب الحياة، في حين كانت قوات الحرس الجمهوري والفرقة الاولى مدرع في العاصمة صنعاء تستعد لمواجهة بعضها وفي حالة «جاهزية قتالية» مرتفعة، كما قالت صحيفة «الشارع» الاهلية بداية الاسبوع الجاري، بعد رفض قائد الحرس توجيهات وزير الدفاع بتسليم منظومة صواريخ «سكود» و «الدوشكا» إلى مخازن الوزارة . وكشفت صحيفة «البيان» الإماراتية أن الرئيس هادي هو من وجه بتسليم منظومة صواريخ سكود الى مخازن وزارة الدفاع، غير أن أحمد علي، نجل الرئيس السابق وقائد الحرس، رفض التوجيهات الرئاسية، وهدد بقصف العاصمة صنعاء بالصواريخ وأصدر تعليمات الى ابن عمه محمد بن محمد عبدالله صالح بتحريك الصواريخ استعدادا لقصف صنعاء . لم يكن تمرد أحمد علي هنا هو التمرد الأول على الشرعية، ففي الذاكرة القريبة جملة من الشواهد ولا ضمانات بأن يكون هو التمرد الأخير . وكان وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد اتهم في وقت سابق قائد الحرس بنهب (90٪) من أسلحة اللواء الأول حرس خاص الذي جرى ضمه بقرار جمهوري إلى قوات الحماية الرئاسية، وترددت معلومات لاحقة عن تفريغ كميات مخازن أسلحة في سنحان وتوزيعها على أحياء في أمانة العاصمة . الحوار الوطني الشامل هو الوسيلة المثلى الوحيدة والآمنة لصياغة عقد اجتماعي جديد، إلا أن استمرار انقسام الجيش، وبقاء علي صالح في المشهد السياسي مع امتلاكه للقوة العسكرية، الممثلة بالحرس الجمهوري وغيرها، سيظل مثار اشكالات ومصادر خطر تدفع بعض القوى الى البحث عن السلاح، ما سيغير المشهد السياسي في الاتجاه السلبي بحسب توصيف سابق للأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان . حالتا التمرد والاستنفار في أوساط الجيش المنقسم تعيدنا إلى أجواء الحرب في تحد واضح للمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الامن الدولي، ما يجعل إنهاء انقسام الجيش أولوية قصوى . نفهم «توحيد الجيش وإنهاء انقسامه» على أنه اتخاذ قرارات وإجراءات من شأنها جعل كل الجيش خاضعا لقيادة واحدة، هي وزارة الدفاع، ما يعني سرعة عزل وتسريح مراكز التمرد والنفوذ والتوتر، في حين أن هيكلة الجيش عملية مستمرة وطويلة نسبيا، قد تستغرق عدة شهور . الى متى سنظل تحت إرهاب القوة الفتاكة من اسلحة كانت في الأصل سلاح الشعب، ويريد ممسكوها اليوم فرض أجندتهم ومصالحهم الخاصة على مصالح الشعب؟ !! تقدم المسيرات والفعاليات الشبابية والشعبية في هذا الصدد صورة متكررة لمدى الدعم الشعبي للرئيس هادي في حال واصل قراراته في إنهاء الانقسام من أعلى مستوياته، بقدر ما تعبر عن إرادة شعبية لاستعادة القوات المسلحة التي ظلت مخطوفة ضمن اختطاف الدولة اليمنية بشكل عام . وتشهد عدد من الألوية التابعة لقوات الحرس الجمهوري احتجاجات متصاعدة للمطالبة بإلحاق تلك الألوية بوزارة الدفاع وفصلها عن الحرس الجمهوري، كما هو الحال في اللواء 26 المتمركز في منطقة مكيراس جنوب محافظة البيضاء . إلى جانب الدعم الوطني، يحظى الرئيس هادي بدعم إقليمي ودولي غير مسبوقين، يعبر عنه على أكثر من مستوى، وصولا إلى مجلس الأمن الدولي . رفعت المعلومات التي تسربت عن حديث الرئيس في ندوة هيكلة الشرطة الأحد الماضي، من مستوى التفاف الشعب حول الرئيس، وبات تهديده برفع الحصانة الممنوحة لعلي صالح واستعادة أموال الشعب منه، مثار إعجاب شعبي واسع، وارتفع بالتالي مستوى التوقعات باتخاذ الرئيس قرارات هامة، ظلت محل ترقب منذ عودة الرئيس من جولته الخارجية في سبتمبر الماضي، وسربتها مصادر مطلعة في القصر الرئاسي عقب زيارة الأمين العام للامم المتحدة، بان كي مون، إلى صنعاء في الذكرى السنوية الاولى لتوقيع المبادرة الخليجية . يحاول الدائرون في فلك المخلوع علي صالح تصوير المطالب الشعبية الملحة على أنها شروط قسرية للقاء المشترك يمارس من خلالها الضغوط على الرئيس لتمرير مصالح سياسية ضيقة، على أن الواقع يدحض مثل هذه الدعاوى، لأن إنهاء انقسام الجيش وحل القضية الجنوبية تقع في صلب الآلية التنفيذية لاتفاق نقل السلطة، وهي محل إجماع على كونها مقدمات ضرورية في الطريق الى الحوار الوطني الشامل . المماحكات التي يتذرع بها علي صالح وأتباعه، وقبلها نتاجات سلوك المشاغب، باتت محل إدراك من الرئيس هادي ومبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن، على انها ضمن الاجراءات المعرقلة للتسوية السياسية، وهو ما ظهر في حديث الرئيس الأحد الماضي، وتقرير جمال بن عمر الاخير إلى مجلس الامن الدولي . من الملاحظ أن الاعمال التخريبية خلال الأيام الماضية كانت مفتعلة، وعبرت عن أزمة رفض حصة ال 82 مقعدا التي اقترحها بن عمر ضمن مكونات مؤتمر الحوار، وتوقع مراقبون سياسيون أن تتصاعد العراقيل والأعمال الارهابية كلما اقتربنا أكثر من موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني . أما النقاط العشرون التي أقرتها فنية الحوار ووافق عليها رئيس الجمهورية فليست شروطا بقدر ما هي إجراءات يمهد تحقيقها الطريق لإنجاح الحوار . وتوحيد الجيش ليس مطلبا مشتركيا فحسب، بل مطلب جل الاطراف للدخول في الحوار، حتى لا يكون الحوار محكوما بالقوى التي تمتلك الجيش والسلاح . كان أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني نبه إلى هذا مبكرا، مؤكدا أن «نجاح العملية السياسية مرهون بتخلي الأطراف المختلفة عن أدوات القوة العسكرية التي راكمتها بيدها خلال الفترة المنصرمة في ظل نظام ضرب العمل السياسي وشجع الصراعات التي أفضت إلى تركيز القوة والسلاح والثروة في أيدي قوى بعينها هي التي يشار إليها اليوم بأنها مراكز الفعل السياسي المدعوم بقوة السلاح والثروة ». وقال في محاضرة ألقاها في مقر الحزب «هذا الاختلال الكبير في المعادلة السياسية سيظل سببا رئيسيا لإنتاج الصعوبات أمام إنجاح العملية السياسية ». لا نجاح للعملية السياسية إلا بالحوار الوطني الشامل، ولا نجاح للحوار إلا بتمهيد السبيل إليه، عبر توحيد الجيش والشروع في «رفع المظالم»، بحسب تعبير المبعوث الدولي إلى اليمن، عن الجنوب وصعدة . مطلب تهيئة الظروف الضرورية لإنجاح الحوار، ظل الاكثر إلحاحا طوال الشهور الماضية منذ توقيع اتفاق التسوية السياسية، وكانت النقاط العشرون التي تبنتها اللجنة التحضيرية للحوار، انعكاسا للحد الأدنى من هذا المطلب، لكن شيئا منها لم يتحقق بعد على أرض الواقع . هذا ليس شرطا، يعيد ويكرر المهتمون، بل ضروريات الحد الادنى لتحقيق حوار مجد ومسؤول، ما لم سنظل أمام عملية عبثية تعيد إنتاج الأزمات الوطنية وليس البحث عن حلول لها .