يرى المحللون السياسيون أن "جماعة (حزب الله) اللبنانية الشيعية كانت تسير خلال الأشهر الماضية على حبل مشدود، وهي تحاول أن تحتفظ بتوازنها بين دعم الحكومة السورية، وفي الوقت نفسه القيام بمسؤولياتها السياسية في الداخل اللبناني، باعتبارها القوة السياسية المهيمنة على الساحة اللبنانية، إلا أن تصاعد التوتر الذي شهدته لبنان في الآونة الأخيرة، قد أوجد المزيد من العقبات التي تحول من دون قيام جماعة (حزب الله) بالمحافظة على هذا التوازن". وذكرت صحيفة "الإندبندنت البريطانية" أنه "أكثر من أي وقت مضى بات حزب الله يخضع لعملية مراجعة وتدقيق في الداخل اللبناني ليس فقط من جانت الخصوم، وإنما أيضًا من جانب بعض المناصرين المخلصين للجماعة". وأضافت الصحيفة أن "السبب في ذلك يرجع إلى زيادة المؤشرات الدالة على أن الحرب الأهلية السورية وحالة الانقسام والانشقاق التي تعاني منها سورية قد انعكست على الساحة اللبنانية". وقد تعرضت جماعة "حزب الله" لأشد وأقسى الانتقادات منذ حادث اغتيال رئيس شعبة المعلومات في جهاز الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن في ال 19 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، والذي ينتمي للطائفة السنية في لبنان التي تعارض حكومة بشار الأسد في سورية. وعلى الرغم من أن "حزب الله" قد نفى عن نفسه الاتهامات القائلة بأنه لعب دورًا ما في ذلك الهجوم، لكن حادث الاغتيال قد أثار دعوات محمومة تطالب بإسقاط الحكومة اللبنانية الحالية، والتي يهيمن عليها "حزب الله" وحلفاؤه الذين يشكلون الغالبية داخل هذه الحكومة. وعلى ما يبدو، فإن بعض أقرب الحلفاء السياسيين لجماعة "حزب الله" بمن فيهم زعيم اللبنانيين الدروز، وليد جنبلاط بدأوا في سحب تأييدهم للجماعة، كما أعلن بعض رجال الدين الشيعة خلال الأسابيع الأخيرة عن "تأييدهم للمعارضة السورية، وهو موقف يتناقض مع موقف "حزب الله" وعلاقاته الوثيقة مع الحكومة السورية". ولا تقتصر أهمية "حزب الله" في أنه يملك مليشيات عسكرية مدربة تدريبًا جيدًا ومسلحة بأسلحة متقدمة، وتعتبر أفضل قوة مقاتلة في لبنان، وإنما ترجع كذلك إلى أنه يدير حزبًا سياسيًا قويًا يحتفظ بمقاعد له داخل البرلمان اللبناني. وفي الأيام التالية لعملية اغتيال وسام الحسن، ابتعد "حزب الله" عن الظهور الإعلامي، حتى عندما دفع الغضب مجموعة من الرجال السنيين المسلحين بالخروج إلى شوارع بيروت في أعقاب تشييع جثمان الحسن. وقد التزم "حزب الله" الصمت، وهي ظاهرة نادرة في تاريخ الحزب الذي لم يكن يترك مناسبة أو حدث إلا ويطلق عباراته الرنانة بشأنها. ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، هلال خشان إن "أكبر دليل على تعرض حزب الله لضغوط، هو التزامه الهدوء والسكينة والحد من عملية الظهور الإعلامي"، كما أكد خشان أن "الحزب يتعرض في الوقت لضغوط وأن هذه الضغوط في تصاعد مستمر". يذكر أن "حزب الله" منذ بداية الأزمة السورية خلال العام الماضي، وهو يعاني من مشكلات وأزمات، فهو يرسم لنفسه صورة البطل الذي يدافع عن المضطهدين، إلا أنه ومع زيادة العنف في سورية وتحوله إلى صراع دموي أسفر عن مقتل الآلاف، لم يستطع حزب الله سحب تأييده للأسد، ويقول خشان إن "حزب الله يتعرض لخطر وجودي في سورية". والواقع أن سورية لم تكتفِ فقط بتقديم دعم سياسي ثابت لحزب الله، وإنما سمحت باستخدام أراضيها لإرسال الصواريخ والأسلحة التقليدية إلى "حزب الله" في لبنان. ولو سقط الأسد، فإن "حزب الله" سيخسر الحلقة اللوجيستية التي يحتاجها لتلقي الأسلحة، الأمر الذي يجعل من الحزب وحيدًا ومعزولًا في حالة نشوب حرب مع إسرائيل. وأكدت الصحيفة أن "البعض داخل الجماعة لا يوافقون على التأييد القوي لحكومة الأسد، أو أسلوب القمع الدموي ضد المدنيين السوريين". ويقول المحاضر السياسي في الجامعة الأميركية، تيمور غوكسيل إنه "ومنذ بداية الأزمة السورية، ظهرت بعض الأصوات المعارضة داخل حزب الله التي كانت تريد أن ينأى الحزب بنفسه عن النظام السوري". وأضاف غوكسيل أن "هذه الأصوات المعارضة سيرتفع صوتها أكثر فأكثر داخل الحزب، لا سيما وأن الصراع في سورية ينعكس بصورة خطيرة على لبنان". وفي تلك الأثناء يطالب منافسو حزب الله السياسيون في لبنان بالثأر لمقتل وسام الحسن، ولاسيما الكتلة السياسية التي تتزعمها طائفة السنة، والتي لا تزال تعاني من مرارة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري العام 2005. وقد دعت هذه الكتلة إلى استقالة الحكومة اللبنانية بقيادة نجيب ميقاتي، وهي خطوة تهدف الكتلة منها إلى إضعاف القوة السياسية التي يتمتع بها حزب الله من خلال هذه الحكومة. ويقول عضو البرلمان الذي ينتمي إلى الكتلة المناوئة للحكومة السورية، نهاد مشنوق "إننا لا نستهدف نجيب ميقاتي، ولكن المقصود هو حزب الله". يذكر أن كلًا من الحريري والحسن كانا من الزعماء في الطائفة السنية، وعمق مقتلهما من حدة الانقسام الطائفي في لبنان بين الشيعة والمسلمين السنة، وخلال العام الماضي أشارت المحكمة الدولية الخاصة في لبنان ب "أصابع الاتهام إلى أربعة من أعضاء حزب الله اللبناني في قضية اغتيال الحريري". كما أن الصراع في سورية قد زاد من الهوة بين الشيعة الذين يؤيدون الحكومة السورية الشيعية العلوية، وبين معظم المسلمين السنة الذين يدعمون المعارضة السورية التي يقودها الطافة السنية السورية. وقد اتهم وليد جنبلاط الرئيس الأسد بتنفيذ عملية اغتيال الحسن. وسيؤدي انسحاب وليد جنبلاط من الحكومة الحالية إلى تشكيل حكومة جديدة لا يملك حزب الله فيها الغالبية. ومن المعروف أن حزب الله لم يكن يتهاون في سلطاته داخل الحكومة في الماضي، وعندما حاولت الحكومة إغلاق شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله العام 2008 خرج مقاتلو حزب الله إلى الشوارع في مظاهرات عمت أنحاء بيروت كافة. وقد حذر نائب زعيم جماعة حزب الله، نعيم قاسم، خلال الأسبوع الماضي من "خطورة اشتراك جهة دولية أجنبية في التحقيقات في اغتيال الحسن"، وقال إن "أي محاولة لإضفاء الطابع الدولي على هذه الواقعة لن تأتي بأي فائدة". وكان فريق من ال "إف بي آي" قد وصل إلى بيروت الخميس الماضي، لمساعدة الحكومة اللبنانية في كشف ملابسات الحادث، كما طالب بعض اللبنانيين بإحالة القضية إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك على الرغم من طلب مثل هذا يتطلب تصويتًا من جانب مجلس الوزراء اللبناني، وهي خطوة غير محتملة في ظل الظروف الراهنة.