أمل رئيس الطائفة الهندوسية في البحرين فيجي كومار شاستري، أن تشيد الطائفة معبداً حديثاً في منطقة الرفاع، حيث تتواجد أعداد كبيرة من تجار الذهب الهندوس وعوائلهم. وسيخدم شريحة كبيرة من الهنود في البحرين - أكثر من 350 ألف هندي - خمسون في المئة منهم من الطائفة الهندوسية. لافتاً إلى أن مندوب وزارة الثقافة زار معبدهم في المنامة، وطلب أن يسمح للوزارة بجعل هذا المكان مقصداً يزوره السياح. المنامة - ريم خليفة التجول في مدينة التنوع الثقافي المنامة يعد واحداً من المتع التي تثير فضول اي زائر فما بالك لو كان الزائر مواطناً بحرينياً ينتمي الى هذه المدينة القديمة المعروفة بعراقة وأصول أهلها الذين عرفوا بالتجارة والعلم والثقافة. عندما تدخل باب البحرين الذي تم تجديده مؤخراً يقودك الشارع الى شوارع متفرعة أحدها من جهة اليسار يأخذك الى ما كان يعرف في الماضي ب «سوق الطواويش» اذ تجد محال الباعة الآسيويين تعرض المصوغات والمشغولات الذهبية من كل شكل وصنف كل بحسب الذوق والطلب. الحركة في هذا الشارع لا تتوقف ولكنها تزداد مع اوقات ومناسبات يحييها الهنود في هذه البقعة الصغيرة من سوق المنامة التي تتحول الى «هند صغيرة» أو كما يطلق عليها بالانجليزية «ذي ليتل انديا». ومن هذا الشارع تنعطف يمينا من احد محلات الذهب، اذ تجد زقاقا ضيقا، مكتظا بدكاكين صغيرة، تبيع الورد المختلطة رائحته برائحة البخور الهندي امام مجسمات وصور الآلهة الهندوسية معلقة جنبا الى جنب العلم الوطني للبحرين بلونيه الاحمر والابيض. وهناك رجل هندي يصنع اشكالا للورد تعلق وتلبس داخل المعبد اثناء الصلاة. وقبل دخول عتبة المعبد الهندوسي للقاء رئيس الطائفة الهندوسية في البحرين فيجي كومار شاستري تحدثت الى احدى النسوة الهنود وتدعى «بوجا» وهي تشتري الورد قبل الذهاب الى المعبد معلقة «جميل ان يكون معبدنا يتوسط هذا المكان القديم وهو قريب من مكان اقامتي وعملي (...) والان عليّ الذهاب». ودعتني «بوجا» بابتسامة قبل ان تدخل المعبد من خلال باب حديد صغير يتوسط الزقاق. دخلت من بعدها بعد ان اخبرت رجل الامن ان لديّ موعدا مع رئيس الطائفة وهناك ركبت السلالم بعد ان نزعت حذائي ومشيت حافية القدمين باتجاه مكان اقامة الطقوس الدينية بأعلى المعبد. شاهدت نفرا من النساء يمارسن طقوس الصلاة وفي الطرف الاخر من الغرفة كان يجلس رئيس الطائفة وهو مرتدٍ زيا ناصع البياض ناظرا اليّ بابتسامة لا تخلو من التسامح والرضى بالنفس. رحب بي وطلب مني الجلوس على الارض وانطلق في الحديث عن تاريخ الهنود والهندوسية في البحرين التي يعود وجودها الى اواخر القرن التاسع عشر عندما قدم جده الاكبر مع جد عائلة «اشرف» المسلمة المعروفة على السفينة نفسها من الهند الى جزيرة البحرين. يقول رئيس الطائفة الهندوسية «هناك علاقة قديمة بين البحرينوالهند، هذه العلاقة بدأت في مجال تجارة اللؤلؤ الطبيعي اذ كانت البحرين مركزا لهذه التجارة. ولذا انتقلت عوائل كثيرة من الهند لتستقر هنا من اجل العمل في صياغة الذهب واللؤلؤ. ولهذا فإن وجود معبد هندوسي كان امرا مهما لكثير من العوائل الهندوسية لممارسة الطقوس والمراسم الدينية فشيد هذا المعبد في اوائل القرن العشرين الماضي ويبلغ عمره 200 عام وهو مبني باطار ينتمي الى المذهب «بوشتسي مار» وهو احد المذاهب التي يدين بها غالبية الهندوس في البحرين». تناول رئيس الطائفة وهو سليل عائلة هندوسية معروفة في مجال تعليم اصول الدين الهندوسي جهازه الذكي ليريني صورة جده الاكبر معلقا «عائلتي هي «شاستري» وانا ابن عائلة «موكيا» واحدة من اقدم العوائل الهندوسية التي قدمت الى البحرين منذ اواخر القرن التاسع عشر ونحن فخورون اننا جزء من المكون المجتمعي في البحرين بعد هذه الفترة الطويلة ويكفي اني اتذكر ما اخبرني عنه جدي من تسامح اهل المنامة المسلمين وعشقهم لشخصية غاندي العظيمة وكيف بكوا يوم وفاته في العام 1948 وقدموا واجب العزاء في المعبد. وهو امر لا ينسى كما لا تنسى مشاركتهم افراحنا واحزاننا كما اننا نشارك اخوتنا المسلمين سنة وشيعة مناسباتهم الدينية في المنامة منذ زمن طويل وهم يشاركوننا في مناسباتنا مثل عيد الالوان «عيد الربيع» (هولي) في الرزنامة الهندوسية (شهر مارس) الذي نحتفل به بقدوم الربيع برمي ألوان الاعشاب والزهور على بعضنا البعض في صورة رمزية لاذابة الفوارق والتساوي مع بعضنا البعض». وهمّ رئيس الطائفة بالوقوف وهو مسترسل بالشرح عن تاريخ المعبد الذي كان في غاية البساطة وتحمل جدرانه رسوما ملونة لحكايات آلهة الهندوس قائلا: «نحن فخورون ان الناس والحكومة هنا تحترم وتدعم ثقافتنا ولذا فاننا لم نتعرض قط لأية عقبات أو مضايقات وقد قام ببناء هذا المعبد في اوائل القرن الماضي ست الى ثماني اسر هندوسية اذكر منها على سبيل المثال جاشنمال، باتيا، كاجريا، ماكان مال، كيلورام، جوني لال، هري دات، دي آي، كارني، كفلاني. وهي جميعها عوائل تجارية معروفة لها ثقلها في الاقتصاد البحريني وهي عملت في مجال اللؤلؤ الطبيعي لكن بعد اكتشاف النفط في البحرين وظهور اللؤلؤ الياباني اتجهت معظم هذه العوائل الى التجارة العامة وبيع الاقمشة والتوابل». واضاف وهو يهمّ بالجلوس على الارض مرة اخرى «نحن لا ننسى موقف الناس العاديين في البحرين كما لا ننسى موقف الحكومة عندما قامت بحماية المعبد في العام 1991 وذلك عندما اشتدت الاشتباكات في الهند بين المسلمين والهندوس وقد قاموا بذلك دون طلب منا وقد اسعدنا هذا الامر كثيرا. ويكفي ان الامير الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة كان يحمل ذكريات اخبرنا عنها عندما زار المعبد قبل وفاته بأنه عندما كان صغيرا كان يطعم حمام المعبد. لقد كان مهتما بوضعنا كما هو الاهتمام في الوقت الحالي. وقد زارنا حديثا مندوب وزارة الثقافة - على سبيل المثال - واضعين اسم المعبد على خريطة سوق باب البحرين السياحية وطلب منا ان يسمح لهم بجعل هذا المكان مقصدا يزوره السياح ان ارادوا زيارته ونحن متعاونون ونأمل ان نشيد معبدا اخر حديثا في منطقة الرفاع اذ تتواجد اعداد كبيرة من تجار الذهب الهندوس وعوائلهم خاصةً في السنوات الاخيرة وهو امر نأمل ان يتحقق لأنه سيخدم شريحة كبيرة. ولا تنسي إن اعداد الهنود اليوم في البحرين اكثر من 350 ألف هندي خمسين في المئة منهم من الطائفة الهندوسية». ودّعت رئيس الطائفة الهندوسية بعد ان قدم بعض الحلوى الهندية لي التي تقدم بالعادة في عيد الالوان «عيد الربيع» وسرت في باحة المعبد التي امتلأت بكثير من الحمام واشعة الشمس تسطع باتجاه صورة ملونة كبيرة الحجم معلقة على طول المعبد. خرجت من الباب الحديد الصغير وتذكرت الحكايات التي قالها لي والدي في الصغر عن عوائل الهندوس في البحرين الذين كانوا يسمون ب «البونيان» اي التجار بالهندية ومن بين هذه العوائل عائلة سراداس اسنراس» التي كان يلقبها البحرينيون ب «دي آي» إذ كانت تعمل في التجارة والصرافة بين الهندوالبحرين بينما كان منزلها الذي هدم في مرحلة ما يقع خلف محل مازال موجودا حتى اليوم هو يعقوب ياديكار للعطور، التاجر البحريني اليهودي، الذي ذهبت الى محله وألقيت التحية بعد خروجي من المعبد في طريقي الى باب البحرين. ببساطة هذه هي البحرين وتلك هي مدينة التنوع الثقافي التي نعرفها باسم المنامة واهلها الذين عرفوا بالتسامح والتعددية على مر الزمن. ايلاف