كتبت عزة حسين «استغفر الله».. هكذا رد محمد ناجى محمد مصطفى، أحد الشابين اللذين حاولا اغتيال محفوظ قبل 18 عاماً، عندما سأله الكاتب محمد سلماوى، إذا كان قرأ أعمال نجيب محفوظ قبل أن يقرر اغتياله، مؤكداً أنه ليس بحاجة لذلك، فهو فقط كان ينفذ أوامر أمير الجماعة والتى صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن: «شرفتنى الجماعة بأن عهدت إلى بتنفيذ الحكم فيه فأطعت الأمر»، أما الأستاذ فكان تعليقه على إعدام الشاب الآخر الذى شارك فى محاولة اغتياله بأنه «غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدم». ولأن عدسة التاريخ، الآن، مفتوحة على هذه الزاوية: (قتلة نجيب محفوظ ومكفروه ينفردون بكتابة دستور مصر، والتلاعب بحكم مصر، وقتل شبابها ثم المتاجرة بدمائهم)، يجوز التوقف أمام الذكرى ال101 لميلاد الروائى العالمى، صاحب ال«نوبل» العربية الوحيدة فى تاريخ الأدب، وليس من قبيل الوقوف احتفالاً أوحداداً على حافة ذكريات الميلاد والرحيل التى تفقد جدارتها بالتقادم. عام 1994، عندما قرر الشابان إطاعة أوامر الجماعة فى «نجيب محفوظ»، كانت 44 عاماً مرت على كتابة روايته الأشهر «أولاد حارتنا» ونشرها مسلسلةً بجريدة الأهرام مطلع الخمسينيات، ثم منعها لاعتراضات دينية. الرواية كانت انتقالة موضوعية وفنية لمحفوظ من الواقعية الاجتماعية للواقعية الرمزية التى أعادت استعمال النصوص الكبرى لتفكيك اللحظة السياسية والاجتماعية الراهنة آن ذاك، ورغم أن سؤالها الأقرب للتأويل كان سياسياً بالأساس وموجها لرجال ثورة يوليو عما إذا كانوا سيتخذون مسار «الفتوات أم الحرافيش؟»، إلا أن التأويل المباشر للرموز الدينية، جعلها فريسة التحالف الدينى السياسى، فظلت ممنوعة فى مصر رغم نشرها ببيروت عام 1967، بعد أن قطع صاحب الثلاثية وعداً لممثلى النظام بعدم نشرها فى مصر إلا بعد موافقة الأزهر، ولم تنشر فى مصر إلا بعد وفاة عميد الرواية العربية عام 2006 عن دار الشروق. ال 44 عاماً الفارقة بين نشر أولاد حارتنا لأول مرة ومحاولة اغتياله عام 1994 لم تكن كافية للجماعات المتطرفة لمراجعة أفكارها عن الإبداع والدين، وحرمة الحياة والموت، كما لم تكفهم ال18 عاماً التالية لمحاولة الاغتيال، والاحتفاء الوطنى والخارجى بأعمال الراحل الكبير، لتصويب آرائهم والكف عن تصويب أسلحتهم. فحتى العام الجارى كان أعضاء وقيادات تلك الجماعات لا يزالون يلصقون تهمتى الفسق والفجور بأدب نجيب محفوظ، كما ادعى نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامى والمتحدث باسمها عبدالمنعم الشحات، حيث صرح الأخير بأن أغلب روايات نجيب محفوظ تدور حول «الدعارة وأوكار المخدرات، واعتبرها الأول «فلسفة إلحادية»، والسؤال هل قرأ الشحات «أغلب روايات نجيب محفوظ» أم أنه سيجيب أيضاً ب«أستغفر الله»، ويضاف إلى ذلك رأى المرشح الرئاسى المستبعد حازم صلاح أبو اسماعيل الذى وصف «أولاد حارتنا» بالرواية الإجرامية، واليوم بنفس المنطق يحاصر أبناؤه المنابر الإعلامية، خرقاً لقواعد حقوق الإنسان، ويرهبون القائمين عليها ويتعدون عليهم بالضرب والسحل والتخويف.