مقالات المعارضة في تركيا والدرس الانتخابي ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 04/04/2014 انتهت الانتخابات البلدية في تركيا بدروس وعبر ودلالات كثيرة . ولكن هذه الانتخابات التي امتازت بطابعها السياسي أولاً لا يمكن قراءتها في ضوء الأرقام العامة فقط، بل يجب النزول إلى بعض التفاصيل لكي تنجلي الصورة الفعلية لنتائجها . حصد حزب العدالة والتنمية 45 في المئة من الأصوات . وهي نسبة تعتبر نجاحاً للحزب وزعيمه رجب طيب أردوغان إذا قاربناها من زاويتين: الهدف الذي وضعه أردوغان لنفسه وهي أن ينال نسبة لا تقل عن 45 في المئة لكي يمكن له الترشح بقوة لرئاسة الجمهورية . والهدف الذي وضعته المعارضة وهي إلحاق هزيمة بأردوغان ليس في إسقاطه بل في جعل أصواته تتراجع إلى أقل نسبة ممكنة وإن أمكن إلى أقل من 40 في المئة . تحقق الهدف الأول لأردوغان وفشلت المعارضة في الهدف الثاني . غير أن قراءة تفصيلية في النتائج تضعنا أمام صورة مختلفة ولا تعطي أردوغان هذا النصر الذي يدعيه وإن كان كافياً ليحميه من سقوط وشيك . إن مقارنة النتائج مع الانتخابات النيابية عام 2011 وهي مقارنة منطقية نظراً للطابع السياسي للانتخابات تعني أن حزب العدالة والتنمية تراجع من 4 إلى 5 نقاط أي من 50 في المئة إلى 5 .45 في المئة . وهي نسبة لا تعكس التقدم المطرد الذي كان يحققه الحزب مع كل انتخابات تجري . وفي هذا الإطار فإن هذا يعتبر فشلاً لحزب العدالة والتنمية . في المقابل فإن أصوات كل أحزاب المعارضة تقدمت بمجموع لا يقل عن 7 في المئة . فحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي تقدمت أصواته من 26 في المئة عام 2011 إلى 5 .29 في المئة في الانتخابات البلدية أي 5 .3 على الأقل . وحزب الحركة القومية ارتفعت أصواته من 13 إلى 15 في المئة، وحزب السلام والديمقراطية الكردي من 5 إلى 7 في المئة . أي أن أردوغان حقق 45 في المئة مقابل معارضة 55 في المئة بعدما كانت نتائج 2011 خمسين في المئة لكل من أردوغان والمعارضة . تراجع إذاً لأردوغان وتقدم لأحزاب المعارضة . وبإستثناء اختراق أردوغان لمحافظة أنتاليا على البحر المتوسط فإن معركة أنقرة كانت أكبر مثال على التراجع الأردوغاني . فبعدما فاز مرشحه في الانتخابات البلدية الماضية بفارق مريح جداً فقد فاز بصعوبة شديدة بفارق أقل من واحد في المئة على حساب مرشح حزب الشعب الجمهوري الذي خاض الانتخابات من دون أي تحالفات مع أي حزب آخر . كذلك خسر أردوغان في الكثير من المناطق المهمة مثل أضنة ومرسين فضلاً عن أزمير . لكن خسارته الكبرى كانت في المناطق الكردية حيث لم يحقق أي فوز في أي بلدية كبرى فيها . والنتائج عموماً على مستوى تركيا والرمزية لبعض المناطق وبمقاييس فترة الصعود الأردوغاني تعتبر مؤشراً على انحدار وإن كان بطيئاً بحيث لم يعد أردوغان قادراً على الاستمرار في الصعود كما كان يحصل سابقاً وبالتالي تجمع المزيد من العوامل التي لا تسمح لأردوغان بأن يبقى الرجل الأقوى في تركيا . ولا شك إن استمرار تأييد 45 في المئة من الأتراك لأردوغان رغم فضائح الفساد يعكس الخوف أولاً من عودة العلمانيين إلى السلطة، ومن عودة التنكيل بالحالة الإسلامية، وهذا من أهم أسباب استمرار تأييد الفئات المحافظة والمتدينة لأردوغان ولو كان فاسداً أو قاتلاً أو أي صفة أخرى وهي فئة لا تقل نسبتها عن 40 في المئة ينطلق منها أردوغان في أي حملة انتخابية وقادرة على هزيمة المعارضة متفرقة . لكن استمرار تأييد الفئات المتدينة لأردوغان يعكس أيضاً مشكلة أخلاقية إذ كيف يمكن للدين أن يحمي الفاسدين والسارقين والمرتشين والمضطهدين للحريات الشخصية والأساسية؟ رغم كل ذلك فإن السبب الأساسي لفوز أردوغان هو انقسام المعارضة . ولو استغلت المعارضة ولو في مناطق محدودة مثل أنقرة أو أنتاليا أو غيرها من المدن حتى التي تقدم أردوغان فيها بنسبة أعلى مثل اسطنبول لما كان عرف أردوغان طعم الانتصار ولخسر بسهولة معظم البلديات الأساسية . وهذا من أكبر الدروس التي يتوجب على المعارضة أن تتعلمه إذا كان لها أن تتحرر من سلطة رجب طيب أردوغان . لذلك إذا لم تتعظ المعارضة من هذا الدرس الانتخابي وتتجاوز حساسياتها فإنها ستخلي الساحة التركية لأردوغان وحزبه ولاستمرار تشريع الفساد وتعزيز الدكتاتورية . محمد نور الدين الخليج الامارتية