اختفت الجدائل التي اعتادت يوليا تيموشينكو أن تعقص بها شعرها مثل بنات الأرياف، لكن صوتها المألوف ونبرة الثقة وسرعة انطلاق الكلمات من فمها..كل ذلك يؤكد أنها عادت كقوة سياسية في أوكرانيا. لكن بدلا من تيموشينكو الخطيبة المفوهة ذات النبرة الحماسية، أصبح بترو بوروشينكو (48 عامًا) الملياردير المعروف بلقب «ملك الشيكولاتة» هو المرشح الأول والأقوى حتى الآن (حسب استطلاعات للرأي) للفوز في انتخابات الرئاسة، التي تجرى في 25 مايو، وتأمل القيادة الجديدة في البلاد أن توحد البلد المنقسم وسط ضغوط متزايدة من روسيا المعارضة للتغييرات السياسية. وقد حصل بوروشينكو صاحب سلسلة متاجر الحلوى وأحد أغنى 10 رجال في أوكرانيا، على دفعة هائلة في مطلع الأسبوع عندما انسحب فيتالي كليتشكو الملاكم الذي اشتغل بالسياسة وأصبحت له شعبية كبيرة من السباق وأيده في مسعاه للفوز بالرئاسة. وحتى قبل خروج كليتشكو السبت الماضي من السباق كان بوروشينكو البدين ذو الشعر الرمادي الكثيف متقدمًا في استطلاعات الرأي، إذ كان يحظى بتأييد 25 في المئة مقابل تسعة في المئة لكليتشكو، بينما احتلت تيموشينكو المركز الثالث بنسبة 8.3 في المئة. حلم قديم ويبدو أن هذه التطورات طغت على آمال تيموشينكو في الاستفادة من الاضطهاد الذي عانته في عهد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، بما في ذلك قضاء عامين ونصف العام في السجن لتحقيق حلمها القديم بشغل مقعد الرئاسة. وفي الاسبوع الماضي أعلنت تيموشينكو رئيسة الوزراء السابقة بطلة انتفاضة سابقة أطلق عليها اسم «الثورة البرتقالية» قبل عشرة أعوام ترشيح نفسها لخوض انتخابات الرئاسة، وقالت إنها هي الأخرى ترى في نفسها مرشح «الوحدة الأوكرانية». أما بوروشينكو فسياسي مخضرم شغل العديد من المناصب من بينها وزير الاقتصاد في عهد حكومتين، إحداهما مؤيدة للغرب والثانية مدعومة من موسكو. لكنه سرعان ما رصد رياح التغيير في البلاد في أواخر العام الماضي مع بدء الاحتجاجات على تراجع الرئيس السابق يانوكوفيتش عن التكامل مع أوروبا، وألقى بكل ثقله وراء حركة ميدان المؤيدة لأوروبا والتي أرغمت يانوكوفيتش في النهاية على الفرار. ويملك رجل الأعمال الذي تقدر فوربز ثروته بنحو 1.3 مليار دولار شركة روشن الأوكرانية لصناعة الشيكولاتة التي تعد واحدة من أكبر 20 شركة لصناعة الحلوى في العالم. وقد استهدفت السلطات الروسية أنشطة تجارة التجزئة التابعة لها في روسيا في إطار الضغوط التي مارستها موسكو ردًا على تقارب أوكرانيا من الغرب. وفي الأسبوع الماضي قالت الحكومة الأوكرانية إن شرطة مكافحة الشغب الروسية سيطرت على مصنع لشركة روشن في مدينة ليبتسك في إطار تحقيق في بعض الأمور التي تخص الشركة. خلافات مع الكرملين وحتى قبل انطلاق احتجاجات ميدان في نوفمبر الماضي بعد تراجع يانوكوفيتش عن إبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي اشتبك بوروشينكو علانية مع مسؤول في الكرملين خلال مؤتمر في يالطا بشأن الضغوط التجارية التي تمارسها موسكو. وعندما اشتدت حدة الانتفاضة كان هو رجل الأعمال الوحيد الذي أيد المحتجين، فظهر مع زعماء المعارضة في ميدان الاستقلال مهد الانتفاضة. ومن العوامل الحاسمة أنه كرس القناة الخامسة التلفزيونية التابعة له لتغطية الاحتجاجات وحولها إلى قناة للمقابلات والآراء التي تحاشتها قنوات تلفزيون الدولة. ومع تنامي الأزمة في القرم رفع رصيده لدى رجل الشارع بالسفر جوًا إلى شبه الجزيرة في مبادرة شخصية لمحاولة التحدث مع القوات المؤيدة لروسيا عندما بدأت تتولى زمام الأمور. لكنه لقي استقبالًا عدائيًا وعاد إلى كييف في اليوم نفسه. اتصالات على مستوى الأعمال ومن المفترض أن يستفيد بوروشينكو من خبرته السابقة في الحكومة واتصالاته الواسعة في قطاع الأعمال إذا أصبح رئيسًا في العمل على توحيد البلاد المنقسمة بين الشرق والغرب. ولتأييد أقطاب قطاع الأعمال أصحاب النفوذ في أوكرانيا مثل قطب صناعة الصلب والكيماويات رينات أخمدوف أهمية خاصة، لأن كثيرًا منهم يتركزون في شرق البلاد حيث يتحدث أغلب السكان اللغة الروسية وأكثر عرضة للتأثر بالرواية الروسية لأحداث أوكرانيا. ورغم أن بوروشينكو لديه أكبر فرصة للوصول إلى الرئاسة، فإن المعلقين يحذرون من الحالة المزاجية التي يصعب التنبؤ بها في أعقاب الأشهر الأربعة الماضية التي قتل فيها 100 شخص في أعمال عنف بشوارع كييف بخلاف ضم روسيا للقرم الذي فشل الزعماء الجدد في التنبؤ به. وقال فولوديمير فيسنكو من مؤسسة بنتا للأبحاث «على بوروشينكو أن يكون في غاية الحرص، فالمزاج العام في الوقت الراهن في صالحه وأهم شيء له ألا يفعل شيئا قد يؤثر سلبا على الرأي العام». وتحدث بوروشينكو لدى اعلان قراره ترشيح نفسه في قاعدته بمدينة فينيتسيا بوسط أوكرانيا بنبرة تتسم بالتحدي، عن استيلاء روسيا على القرم ودعا إلى تكوين قوات مسلحة قوية وحديثة. وقال «الجيش الاوكراني لن يتخلى عن شبر واحد من الأرض الأوكرانية». ضرورة الوحدة وفي ضوء خطورة الوضع في أوكرانيا وجه بوروشينكو نداءً مباشرًا لتيموشينكو للتراجع عن تحديها له على مقعد الرئاسة والاصطفاف خلفه أو على الأقل عدم التأثير على الوحدة السياسية للبلاد. وقال بوروشينكو «يوليا فلاديميروفنا لن تكون خصمنا السياسي، وإذا أيدت يوليا فلاديميروفنا مبادرتنا اليوم فسنعتز بذلك أيما اعتزاز». أي الاتجاهين ستسلك يوليا؟ في البداية بدا أن سنواتها في السجن في عهد يانوكوفيتش والشعبية الهائلة التي تتمتع بها بين أنصارها في غرب أوكرانيا ووسطها ستضمن لها عودتها للمشهد السياسي. لكنها استقبلت استقبالًا فاترًا في الميدان عندما زارته على كرسي متحرك في فبراير الماضي عقب الإفراج عنها من السجن. ويتذكرها كثيرون باعتبارها «أميرة الغاز» في التسعينات عندما حققت ثروة كوسيط للغاز قبل أن تصبح رئيسًة للوزراء، وذلك خلال حكومة بافلو لازارينكو الذي أدين وسجن في الولاياتالمتحدة عام 2006 بعد إدانته بغسل الأموال ومخالفات أخرى. ومن الواضح أن تيموشينكو تحاول تكييف أسلوبها حسب الناخبين الذي اكتشفوا خطأ اعتقاداتهم السابقة عن الطبقة السياسية القديمة. تغيير الصورة والمؤكد أنها تعمل على تغيير صورتها في عيون الجماهير. فقد اشتهرت في الماضي بأناقتها لكنها أصبحت ترتدي ملابس غامقة الآن وغيرت تسريحة شعرها المعهودة فأسدلته. وتظهر في المناسبات العامة وهي تتكئ على عكاز يذكر بالمشاكل التي عانت منها في العمود الفقري خلال سجنها ببلدة خاركيف. ومن السهل لأي مرشح رئاسي أن يدين ضم روسيا للقرم لكن تيموشينكو لديها من الأسباب لذلك ما يفوق أي مرشح آخر، لارتباطها في الأذهان سواء عن حق أم عن باطل بما كانت تتمتع به من علاقات وثيقة مع الرئيس فلاديمير بوتين. ويرجع ذلك لصفقة غاز توسطت فيها مع روسيا في عام 2009 قالت الحكومة المعزولة إنها قيدت أوكرانيا بدفع ثمن باهظ للغاز وهو ما أدى إلى دخولها السجن في عهد يانوكوفيتش بتهمة إساءة استغلال منصبها. وفي محاولة للتخلص مما تراه صورة خاطئة عنها، خالفت أسلوبها المعهود، وقالت «لا يسعني سوى القول إنه ما دام الكرملين يحتل القرم سيظل فلاديمير بوتين بالنسبة لي العدو رقم واحد لأوكرانيا وسأوجه كل قواي للدفاع عن أوكرانيا وإنهاء احتلال القرم». كما أنها خصم قديم لبوروشينكو من أيام رئاستها للوزراء. ففي عام 2005 هاجمت بوروشينكو الذي كان أمينًا لمجلس الدفاع الوطني آنذاك واتهمته بالتورط في الفساد. ولم تنته الأزمة إلا عندما عزلهما رئيس البلاد آنذاك فيكتور يوشينكو. صحيفة المدينة