GMT 0:00 2014 السبت 12 أبريل GMT 1:04 2014 السبت 12 أبريل :آخر تحديث خليل حسين ظاهرتا السودان واليمن وغيرهما، تعبران عن واقع مأزوم ربما سيشمل دولا عربية أخرى، إذا ما استمرت تداعيات العوامل الداخلية والخارجية الجارية في الوطن العربي . فبات واضحاً أن تحولات عميقة كشفت عن هشاشة بعض الدول التي لم تتمكن من مواجهة تداعيات الثورات، مع ارتفاع سقف مطالب الشرائح المختلفة داخل هذه الدول، وبخاصة الأقليات العرقية والإثنية والقومية، التي وجدت نفسها في مواجهة أنظمة حكم جديدة تسلمت السلطة من دون جهد، وافتقادها إلى الخبرات الكافية للحفاظ على الدولة بمفهومها التقليدي، الأمر الذي باتت فيه العديد من الدول العربية في مأزق يهدد وجودها وبقاءها في صورتها الموحدة . فقد شكل وصول التيارات الإسلامية للحكم، أبرز محفزات التوجه نحو الدولة غير الموحدة، نظراً للأسلوب الإقصائي الذي اتبعه الإسلاميون في مصر وتونس وليبيا مثلاً، ما أجج الخلافات مع التيارات السياسية الأخرى، ورغم ذلك، فخيار التفكك ليس مطروحاً على نطاق كبير، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية طرحه مستقبلاً . كما لعب انتشار ظاهرة النزاعات القبلية إحدى أبرز عملية تفكك الدولة بعد الثورات، ومرد ذلك استغلال السلطة لهذه النزعة في ليبيا، واليمن، والسودان، إذ تقوم الدولة الليبية مثلاً على النظام القبلي، الذي يصل تعدادها إلى 200 قبيلة، منها 150 في الشمال، و25 في الجنوب، والأمر عينه ينطبق على الأردن . كما أن أبرز عوامل التشرذم يرتبط بانتشار النزعة الطائفية في أغلب الدول، ما أثر في ارتفاع معدلات العنف الطائفي كحالة العراق ولبنان وسوريا، واليمن، ومصر في فترة حكم جماعة الإخوان . كما أن وجود مجموعات مختلفة من القوميات العرقية والإثنية التي لها مشروعات انفصالية عنصر وازن في عمليات التفكك، فقد استغلت بعض القوميات العرقية الفوضى التي نجمت عن الثورات العربية لتعيد إحياء مشروعاتها، خاصة الأمازيغ والأكراد . كما تمثل الموارد النفطية سبباً للانقسام في حالات ليبيا، وكردستان، والعراق واليمن، إذ يتمثل الخلاف بشكل مستمر بين السلطات المركزية وبعض الأقاليم حول طريقة ونسب توزيع عائدات النفط، إذ تمسك الحكومات بعوائد النفط، وتحرم المناطق من عوائده، رغم أن تلك المناطق تسهم بالنسبة الأكبر من الإنتاج . وفي المقلب الآخر، تلعب القوى الخارجية في عمليات التفتيت دوراً بارزاً، عبر تغذية النزاعات الطائفية داخل حدود الدولة الوطنية، ويظهر ذلك بوضوح في الدعم العسكري والسياسي المباشر من قبل بعض الدول الإقليمية والدولية . إن فشل الدولة العربية في استيعاب تداعيات الثورات، وخروج العديد من محفزات التفكك فجائياً، إلى بحث نماذج مختلفة تطرح ذاتها في بعض الدول، ما لم يتم تفادي محفزات التفكيك السابقة، فنموذج الدولة الفيدرالية يشكل إحدى أبرز الصيغ المتداولة في المرحلة المقبلة . فهو وإن كان لا يعني تقسيم الدولة أو تفكيكها بالمعنى الدقيق، فقد يعبد الطريق لذلك مستقبلاً . والملاحظ أن ثمة من يساند هذه الصيغة بعد ثورات "الربيع العربي"، المترافقة مع زيادة معدلات الاحتقان السياسي والمجتمعي، لاسيما الحالة في ليبيا، حيث انتشرت دعوات الفيدرالية في إقليم برقة شرقي ليبيا . كما تتجه تطورات المشهد السوري إلى نموذج آخر تجاوز درجة التصدع في بنية الدولة إلى التفكك الشامل، وتكوين مجموعة من المناطق أو الدويلات المستقلة عن بعضها بعضاً . وعلى الرغم من أن مستقبل الدول العربية الموحدة، قد أصبح في خطر كبير، إلا إن التفكك والانقسام ليس حتمياً، مع وجود كم كبير من الكوابح لعملية الانقسام في المنطقة العربية، من بينها اللغة الواحدة، والتاريخ المشترك، والجغرافيا المتميّزة التي يمكن أن تشكل بيئة مناسبة للوحدة، لا للانقسام والتفكك، علاوة على المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها صيغة الفيدرالية، كما في دولة جنوب السودان . إلا أن ذلك ينبغي أن يترافق مع البحث عن حلول عاجلة، للمشكلات الهيكلية البنيوية ذات الصلة بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية المحقة، واعتماد سياسات تنفيذية واضحة وفاعلة نحو تعزيز حقوق الأقليات العرقية والدينية، ومساعدة القبائل على توفير المصالح المشتركة فيما بينها بشكل مستمر ودائم للحفاظ على علاقاتها مع بعضها، وعلى علاقاتها مع الدولة، علاوة على إيجاد صيغ أكثر عدالة لتوزيع الثروات النفطية وغيرها، وكذلك الاعتماد على القوى المحلية لإحداث التوافق الداخلي بعيدا عن مؤثرات القوى الخارجية، وتعزيز حقوق المواطنة في البلدان العربية . من غرائب العرب، انتقالهم من شعارات وحدة الأقطار العربية، إلى فدرلة وتفتيت الأقطار ذاتها، في وقت تتجه معظم الشعوب والأمم إلى إيجاد صيغ تجمعها، ولو على قواعد وأسس اقتصادية وتجارية واجتماعية قبل السياسية، وهذا ما نجحت فيه المجتمعات الأوروبية المتعددة مثلاً، أين نحن العرب اليوم؟ ايلاف