نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ازدواج الهوية.. صراع بين الانتماء للوطن البديل والولاء للأصيل

قضية ازدواجية الجنسية وتبدل الهوية في عالمنا العربي، تعتبر مسألة شائكة ومتعددة الجوانب، خاصة في ظل الهجرة الكثيفة التي طالت الكفاءات والأدمغة بل وحتى العمالة الهامشية إلى شتى بقاع الأرض، وحصل خلالها الكثيرون على جنسية الدولة التي هاجروا إليها.
وهناك دول تسمح بالازدواج وأخرى ترفض. إلا أن الأمر الأهم يتمثل في الصراع الذي يعيشه الكثيرون في بلاد الغربة، والمتعلق بالولاء للوطن الأم، وسبر أغوار حقيقة الانتماء للوطن البديل.
أجمع البعض أن نيل الجنسية في الحالتين، هي تجمع الانتماء والولاء معاً، الانتماء لشعب والولاء لوطن. إلا أن البعض الآخر يرى أن الولاء لا يكون إلا للمكان الذي ولد فيه الشخص وتربى وعاش فيه سنوات عمره.
ويبرز سؤال مهم وماذا عن الأجيال الجديدة التي ولدت وعاشت في دول أخرى، غير بلدها الأصلي الذي غادره الأب أو الجد، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، فاختار وطناً بديلاً، ونظراً لطول إقامته فيه، حصل على الجنسية ونالها من بعده الأبناء والأحفاد.
وسؤال آخر يفرض نفسه هل يتجزأ الولاء وان تعددت مواقع الانتماء؟ وماذا يفعل المواطن العربي إن عاوده الحنين إلى بلده ومهد طفولته ومرتع صباه؟ هل يتخلى عن الجنسية الجديدة؟ وكيف يتصرف إذا أسقطت عنه التي كانت بالميلاد لا التجنس؟ طرحنا تلك الأسئلة على خبراء وساسة ومفكرين ومتخصصين في علم الاجتماع وأطباء في الصحة النفسية، فجاءت الآراء ثرية، وان تباينت في أغلبها.
أزمات
اليمنيون خرجوا إلى المنافي مبكراً
تعد اليمن واحدة من أكبر البلدان العربية التي عرفت الهجرات الجماعية عبر التاريخ، لأسباب تتعلق بالصراعات الداخلية وشح الموارد الاقتصادية، ما سبب حالة الانقطاع التي تكونت بين المهاجرين الاوائل ووطنهم الأصلي في ظهور جيل من المهاجرين الذين انقطعت صلتهم ببلدهم وثقافته.
وبقي الارتباط الوحيد بالوطن الأم، الاسم العائلي. وواضح ان ملايين اليمنيين أصبحوا جزءا من تركيبة السكان بشرق آسيا تحديدا، وأميركا وبريطانيا حديثا، حيث كانوا من أوائل العرب المهاجرين إلى هناك للاستقرار.
ومع ضعف إمكانات الدولة والدور الهامشي الذي تلعبه وزارة شؤون المغتربين، بسبب عدم الاهتمام بتلك الثروة البشرية الهائلة الممتدة من شرق الكرة الأرضية إلى غربها، انقطعت صلة الملايين مع بلدهم الأصلي. ومع ذلك الانقطاع تشكلت ثقافة وقيم مختلفة عن الموجودة في بلده.
وتقول مديرة عام المرأة في وزارة شؤون المغتربين بيجم العزاني، إن هناك حالة انقطاع كبيرة جدا بين الملايين من المغتربين الموجودين في بلدان غير عربية بوطنهم لأسباب ترتبط بالمدة الزمنية التي قضوها هناك في ظل عدم وجود دولة مركزية توليهم اهتماما، أوبسبب الأوضاع الاقتصادية التي كانت حافزا لهجرات متواصلة واستقرار دائم في تلك البلدان خصوصا الإسلامية، حيث تمكن هؤلاء المهاجرون من الاندماج في التركيبة السكانية واصبحوا جزءا من تلك المجتمعات.
وهناك عائلات في بلدان الاغتراب لا تولي أمر الثقافة الوطنية واللغة العربية الاهتمام المطلوب ما جعل الطفل ينشأ بين ثقافتين مختلفتين، ويظهر جليا في الغرب حيث تسود قيم ومفاهيم وعادات مغايرة للعادة الاجتماعية، والقيم السائدة بالبلد الأم ما أدى إلى ظهور جيل مزدوج الولاء. ولدينا إشكالية تتعلق باللغة العربية وتعلمها باعتبارها المدخل الصحيح لتعزيز الارتباط بالوطن الأم، ولمعرفة قيمه والتشبع بثقافته والأسر التي لا تحرص على تعليم أبنائها العربية، تزيد من حالة اغترابهم وبعدهم عن الوطن الأم.
وعن الدور الذي تقوم به وزارة شؤون المغتربين في سبيل تعزيز ارتباط هؤلاء بوطنهم الأصلي ذكرت أن إدارة الشؤون الثقافية والتعليمية في الوزارة ترعى وتشرف على عدد من المدارس والمراكز التعليمية وتمدها بالمناهج الدراسية لكن اهتمام الجاليات يتركز على النشاط الرياضي أكثر من الثقافي.
وأشارت الى خلل في معالجة أزمة الهوية والارتباط بالوطن حيث يتم دعم مدارس ومراكز تعليم وجاليات في البلدان العربية، مع ان الهوية الثقافية للمغتربين غير مهددة ولا مشكلة حقيقية فيها، بينما تحظى الجاليات في بلدان الاغتراب خارج الوطن العربي باهتمام أقل، ما ساهم في بروز حالة ازدواج الهوية او الانتماء.
الرؤية أهم
ويقول شاكر الأشول وهو احد المغتربين اليمنيين في أميركا، الأهم ما هي رؤية المغترب والمهاجر لوضعه؟ وكيف يمكن التمييز بين رؤيتنا لمغتربينا بالخليج مثلاً وللمواطن اليمني الأميركي أو البريطاني الذي يتمتع بكافة حقوق المواطنة في بلده الجديد، ويجب علينا استكشاف أوضاع المغتربين والظروف الاقتصادية والسياسية التي تحيط بهم سواءً كانوا في الشرق أوالغرب، من ناحية الدور الحقيقي والواقعي الذي يمكن أن تلعبه وزارة المغتربين في حياتهم باليمن أو في مواطن اغترابهم وهجرتهم.
والاهتمام بفتح المدارس وتدريس اللغة العربية بصورة منهجية تتلاءم مع احتياجات التجمعات المختلفة والخاصة، وتشجيع الأعمال الثقافية والأدبية المتعلقة بالاغتراب والمغتربين عن طريق تشجيع الأدباء والشعراء من المغتربين وتوثيق تجاربهم وأعمالهم بالنشر الملائم سيقوي ارتباطهم بالوطن الأم.
ومطلوب زيادة وتنويع عدد البرامج التلفزيونية الموجهة للمغتربين والمهاجرين عبر القناة الفضائية اليمنية، وتوفير برامج ثقافية وسياحية تساعد المغتربين وأبناءهم على التعرف على وطنهم وتراثهم لتعزيز ارتباطهم بوطنهم والانتماء له.
ويقترح الأشول تولي السلطات تشجيع المغتربين على تكوين جمعيات اجتماعية وثقافية تعزز وجودهم وتوطد علاقاتهم بعيدا عن الولاءات الحزبية. ويجب تشجيع تبادل التجارب والأساليب لتطوير العمل لضمان رفع مستوى أعمال المغتربين بما يحسن مستوى معيشتهم، ويحقق مصالحهم ومصالح الوطن الأم.
جدل المعاناة في القديم والرضا عن الجديد
سامية الجندي
محمود متولي
يُغادرون بلادهم، ويقطعون آلاف الأميال إلى بلادٍ أخرى؛ بحثاً عن عيشٍ آمن، ومستقبلٍ مشرق، فمنهم من يظل حاملاً هويته بين يديه، ولا يستطع أن ينفصل عن الوطن الذي نشأ وتربى فيه، فيزداد عشقه لترابه، حالماً بالعودة إلى بلده بأصالتها وعاداتها وقيمها وأفكارها، بعدما طال بحثه عنها هناك، أثناء رحلة كان يبحث فيها عن مستقبله.
وهناك آخرون لم ينجحوا في التمسك بالأصالة طويلاً، فسرعان ما ضاعت هويتهم والانتماء للوطن الأم، فخلع عباءة العادات، وثقافة الوطن الأصليه؛ ليرتدي عباءة أخرى بأفكار وقيم وعادات، يرونها تناسبهم أكثر، وتلك هي الازدواجية وذلك هو التخبط الفكري، بسبب اتساع الفجوة بين الأصيل والبديل، وهي ظاهرة تمثل جدلاً واسعاً في عالمنا العربي.
يقول علاء حسين (45 عاماً)، وهو يعمل في أحد البنوك الأميركية، «سافرت منذ عشر سنوات، لم أنكر أن في السنوات الأولى عانيت من حنين شديد لأهلي ورغبة حقيقية في الرجوع إلى وطني؛ لأنني لم أستطع أن أمحي من ذاكرتي سنوات عمري، التي قضيتها في بلدي، إلا أنني اندمجت بسرعة مع مجتمعي الجديد، وتعلمت لغته واكتسبت قدراً كبيراً من عاداته وثقافته، فزال تدريجياً شعوري بالانتماء إلى وطني الأصلي، وبدأت أعتاد على الغربة وأتأقلم على مناخها، ومرت عشر سنوات، ولم أفكر مطلقاً في العودة إلى بلدي، خاصة بعدما ساءت الأحوال السياسية فيها، وتدهورت خلال السنوات الأخيرة، فأكاد أقول إنني لم أستطع أن أقدم لها شيئاً بعودتي إليها، وإلا كان غيري أستطاع أن يقدم لها».
ويوضح محمد شريف (33عاماً) مقيم في إحدى الدول الأوروبية، «إن سبب سفره ما وجده من معاناة حقيقية في وطنه وبطالة وعدم قدرة على توفير حياة كريمة، فقد حيث بلغ الثلاثين ولم بجد فرصة عمل، ما اضطره للبحث عن أي فرصة سفر للخارج، وتلقى عرضاً للعمل كنادل في مطعم بأوروبا، فلم يتردد لحظة على الرغم أنه حاصل على شهادة جامعية»، ويقول «لم أفكر للحظة في الرجوع إلى بلدي، حيث أقمت هنا وتأقلمت لأن الحياة به أفضل كثيراً من حياتي في بلدي».
معاناة
ويرى أستاذ علم الاجتماع البارز الدكتور محمود متولي، أن أزمة الانتماء تعود في الأساس إلى معاناة الشباب بأوطانهم، وعدم شعورهم بالأمان الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية، وانتشار للظلم والفساد على كل الصعد، بجانب أزمة البطالة وغلاء الأسعار والعجز في توفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة، فالشعور بالانتماء يتطلب مواطناً ملتزماً بقضايا وطنه، ويعمل كل شخص فيه بجد وتفان، وللأسف ففي كثيرٍ من الدول العربية التي يعانى فيها الشباب من حرمان حقيقي من التعليم والعمل الشريف والكرامة، وكلها أمور أسهمت في زيادة الفجوة بين الشاب وانتمائه لوطنه، وبمجرد سفره وإيجاده العمل والحياة الأفضل في الخارج، يفقد كل ما يربطه بوطنه الأصلي، ويتخلى عن الانتماء له.
وتؤكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر الدكتورة سامية الجندي، أن هناك تأثيرات عدة تظهر عند انتقال الفرد إلى وطنٍ آخر له عاداته وتقاليده وقيمه المختلفة عن قيم الوطن الأصلي. وتحدث عملية مسايرة لتلك القيم والأفكار بالوطن البديل، التي تساعد الفرد على التأقلم والتعامل مع البيئة الجديدة، وإلا سيعيش في حالة عزلة وعدم قدرة على التفاعل في حال إذا تمسك بقيم وطنه الأصلي ورفض اكتساب أي أفكار أو عادات جديدة قد تحول دون اندماجه.
وفكرة التمسك بالهوية أو التخلي عنها تتوقف في الأساس على عوامل عِدة، فهناك أفراد لا يشعرون بانتماء من الأساس تجاه أوطانهم، وعانوا كثيراً من شعورهم بالاغتراب داخله، فلم تستطع أوطانهم توفير الحياة الكريمة لهم، التي طالما كانوا يحلمون بها. وبمجرد سفرهم إلى وطنٍ آخر يجدون معيشة أفضل، ويحققون احتراماً لذاتهم وكرامتهم المفقودة في بلدهم الأصلي.
ومن الطبيعي أن يفقد الشخص انتماءه وولاءه ويتخلى عن هويته الأصلية، ويستبدلها بكل رضا، بقيم وعادات وتقاليد مجتمع جديد، على عكس آخرين ممن ينتمون بطبيعتهم إلى الطبقات الراقية، أولئك الذين لم يعانوا داخل أوطانهم، بل وجدوا حياة كريمة فيه، لذا تجدهم سرعان ما يشتاقون إلى أوطانهم ويعلنون رغبتهم في العودة مجدداً إلى بلدهم الأصلي، وينجحون في استعادة القيم والعادات الأصلية بمجرد عودتهم إلى بلدهم.
استهجان
أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس الدكتورة أمينة كاظم، ترى أن فكرة تخلي الفرد عن ولائه لبلده الأصلي من الأمور المستهجنة وغير المنطقية، فالفرد مهما سافر ومهما اغترب في بلدان عديدة ستظل بلده في مقدمة دول لعالم، وسيظل الحنين إليها يطارده في كل مكان، ومهما طالت سنوات الغربة، فلا يمكن بمجرد سفره إلى الخارج أو تطبعه بعادات لمجتمع جديد، تجعله ينزع هويته وولائه لوطنه الأصلي، بل على العكس، فمن الناحية النفسية فالشعور بالغربة يزيد حنين الفرد إلى وطنه مهما كانت معاناته، ويزيد من انتمائه له، بل ويتناسى كل سلبيات وطنه ومشكلاته.
رؤية
%7 من سكان العالم ليس لديهم وطن دائم
لم يظن سامي أن حنينه إلى الوطن سيكون بهذا الشكل. بعد أن أنهى دراسته، حمل حقيبته وسافر إلى كندا بهدف إكمال دراسته، بعد أن أنجز مهمته مكث هناك 20 عاماً. لم يعد فيها يعرف وطنه الأم الأردن. على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قال إنه يخشى العودة، لأن عليه أن يعمل ويعيش، ويعرف أن ذلك صعب عليه وعلى الأسرة التي بناها طوال تلك الأعوام التي قضاها بعيداً عن الوطن.
لدى سامي اليوم أسرة مكونة من خمسة أفراد هو وزوجته الكندية الإسبانية الأصل، وثلاثة شباب. وخلال أعوامه تلك لم يزر سامي المملكة سوى خمس مرات منها اثنتان عندما توفي فيها والداه. والأخرى للسياحة. ولكن هل يعتبر الوطن الأم بلداً نموذجياً للسياحة؟
والأردنيون وهم يتحدثون عن مملكتهم وسط هذا البحر المتلاطم من الفوضى يشعرون بأهمية هويتهم الوطنية أكثر من أي وقت مضى. وسامي لا يعاني من مسألة الهوية والمواطنة فهو يرى نفسه أردنياً كما يرى نفسه كندياً. ويقول: «لا أرى تناقضاً بين أن أكون أردنياً وأكون في الوقت نفسه كندياً». أليست هناك فروق ثقافية واجتماعية ولغوية بل وسياسية واقتصادية شاسعة بين أن تكون أردنياً وأن تكون كندياً.
الهوية والحرية
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي: إن العالم اليوم اختلف عما كان عليه في السابق. ففي الماضي كانت الحاجات الأساسية الملحة للناس هي الغذاء والدواء، أما الآن فالأهم يتمثل في الهوية والحرية، أولاً الهوية وثانياً الحرية ثم الحاجات الأخرى الغذاء والدواء وغير ذلك.
وحول عملية الاندماج مع المجتمع، فإن 7% من سكان العالم ليس لديهم وطن يستقرون فيه، بل هم في حركة دائمة ومنهم بعض الأردنيين، وهم في العادة «لهم هوية أصلية إضافة إلى هويات فرعية أميركية وكندية وأسترالية أو غير ذلك». لكن كيف يمكن دمجهم بالمجتمع الأم مرة أخرى؟ والحل يكمن في الانتساب إلى منتديات وجمعيات ودواوين وتجمعات أبناء الجالية في بلاد الغربة. وفي المقابل تبرز أهمية دور الوطن الأم في التواصل مع أبنائه وتشاركهم في تفاصيل وطنهم.
والمغترب يشعر بالمعاناة في البداية وهي تتعلق بعملية الاستقرار والبحث عن عمل وتحمل تبعات البعد عن الأهل، لكن بعد الاندماج تخفّ تلك المعاناة، خاصة الجانب الاقتصادي. وفي الجانب الاجتماعي ليس هناك من خيار سوى أن يندمج كلياً في التفاصيل الاجتماعية والنفسية للوطن البديل.
سراج ضوء
وقال القاص خالد أبوالخير الذي سبق له واختبر تجربة الغربة، طلبنا منه أن يشرح لنا وقد عاد من بلاد الغربة بعد سنين، حين تشعر بأن كل شيء ناقص، حتى في المسرات والنجاحات والعلاقات الجديدة، حتى في الأحلام وطعم النوم.. اعلمْ عندها أنك تعاني الاغتراب.
فالأوطان ليست مساحات من الأرض والماء والناس والكائنات، بقدر ما هي ما جبلنا عليه، ما اكتسبناه ووعيناه عبر سنوات الطفولة والشباب، وبهذا المعنى يكون الوطن أنت، أو سراجاً من ضوء في داخلك تحمله أينما حللت.
وأصعب ما في ذلك، أنك حتى لو عدت يوماً إلى المكان، سرعان ما تكتشف استحالة تطابقه مع ما في داخلك. حقاً.. فقد طال الاغتراب بنا لدرجة أن المكان الذي لطالما منينا النفس بالعودة إليه، ما عاد موجوداً إلا في أحلامنا.
تأقلم
الحنين إلى الأول يخف لدى الجيل الثاني من المهاجرين
«هاجر وليذهب الوطن إلى الجحيم»، هكذا لسان حال كثير من السودانيين الذين حزموا حقائبهم وغادروا إلى أنحاء الدنيا، بعد أن فقدوا أمل العيش في وطنهم بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية، ورغم أن العديد ممن هاجروا تركوا أرض الوطن بنية اللاعودة سيما الذين ذهبوا لدول غربية، غير أن شئياً ما بداخلهم يظل ينازعهم ويعيدهم وجدانياً إلى ترابهم، فتجدهم وهم في المنافي البعيدة يتابعون ما يجري داخل بلادهم، الأمر الذي يخلق حالة من الشد والجذب بين وطنهم الأم، وذاك الذي اختاروه، ليكونوا في صراع دائم بين هويتين مختلفتين.
يقول الباحث في قضايا الهوية وحل النزاعات دكتور بابكر فيصل بابكر ل«البيان»: إن تنازع الهوية غالباً ما يصيب الجيل الأول من المهاجرين، لاسيما في الدول الغربية، باعتبار أنه نشأ وترعرع في ظل ثقافة مختلفة من حيث التقاليد والأعراف واللغة والدين وغيرها، ما يؤدي إلى ردة فعل تقود الشخص إلى تفضيل العزلة عن المجتمع، وبالتالي يعيش علي هامشه ويعمل بوظائف هامشية، ما يجعله فريسة للأفكار المتطرفة. ويمكن أن يقوده ذلك إلى اتخاذ مواقف معادية للمجتمع الذي يعيش فيه.
وهناك مهاجرون من ذات الجيل أي الأول انخرطوا في المجتمعات الجديدة واكتسبوا لغة وتقاليد جديدة وتفاعلوا مع المجتمع بطريقة إيجابية.
ويري فيصل وهو مقيم بالولايات المتحدة، أن حالة تنازع الشخصية تقل آثارها بالنسبة للجيل الثاني من المهاجرين الذين يمثلون أبناء الجيل الأول، إذ ولد وتربى هناك، وهو غالباً لم ير بلده، إنما تعرف إليها من خلال والديه، فلم يعش تقاليد وعادات بلده، وهنا يأتي دور الآباء في خلق حالة توازن بدواخل أبنائهم بين ثقافة قديمة أتوا منها وأخرى يعيشونها وإذا نجحوا يكون الابن متوازناً نفسياً ومجتمعياً.
وتنازع الهوية قاد البعض ممن فشلوا في خلق توازن لشعورهم بالتمييز، لاسيما إذا كانوا من خلفية إسلامية أو عربية بعد أحداث سبتمبر التي جعلت الكثير من المجتمعات الغربية معادية لكل ما هو إسلامي أو عربي. وذلك الشعور أدى إلى تمسك أولئك بهويتهم بصورة متطرفة ما أوقعهم فريسة الجماعات والأفكار المتطرفة كالتفجيرات التي شهدتها لندن وبعض عواصم أوروبا.
وبلاشك هناك مهاجرون آخرون حققوا نجاحات في المجتمعات التي وفدوا إليها، بعد أن استطاعوا الحفاظ على التوازن بين الهويتين، وعدم التمسك بتعصب بهويتهم الأصلية، وهناك مرحلة مرتبطة بالقضية تتمثل في الصعوبات التي تواجه المهاجرين عند العودة لوطنه الأم، إذ يوصم بعدم الانتماء والولاء لبلده.
ضعف الحس
وأشار أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم الدكتور أشرف محمد أدهم، إلى ضعف الحس الوطني لدى بعض المهاجرين، وقبل التحدث عن الهوية، لابد من الحديث حول ضعف الحس الوطني لدى بعض شباب المدن، وذلك لإحساس المهاجر بأن بلده لم يقدم له شئياً، فهو يتعلم من ماله ويدفع فاتورة العلاج من ماله دون أن يجد مقابلاً من الدولة في تعويض ذلك بوظيفة مناسبة.
والحس الوطني للأسف ضعيف جداً على كافة المستويات خاصة عند الطلاب والموظفين، والدولة يقع عليها عبء كبير في تعميق الشعور بمكانة الوطن في نفوس مواطنيها، من خلال توفير أبسط أشكال الحماية والرعاية والإحساس بالطمأنينة، وحتى النزاعات القبلية التي يشهدها السودان حالياً جاءت بسبب فشل الدولة في القيام بواجباتها تجاه مواطنيها من طمأنينة، لذلك لجأ الأفراد إلى القبيلة لحمايته، ورغم سخط المهاجرين على بلدهم، إلا أن هناك إحساساً وطنياً داخلياً يظل يتنازعهم، فالثقافة لا تغير الشخص، وبالتأكيد فالكثير من المهاجرين السودانيين تتنازعهم هوية وطنهم وهم خارجه، ويتضح ذلك من خلال تكوينهم لجمعيات وكيانات تمثلهم في بلاد الاغتراب.
البيان الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.