ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 13/04/2014 يروى عن مريض مصاب بحالة إنكار لوضعه الصحي، أنه كان يقدم الهدايا لطبيبه كي يخفي عنه حقيقة مرضه، وبالتالي يقدم له وصفات علاجية بسيطة لا علاقة لها بالمرض، مما ضاعف منه حتى تفاقم وأودى به . لو صحت هذه الرواية فإن المريض الفعلي هو الطبيب الذي نكث بقسم "أبوقراط" أولاً، ثم قبل بأن يغش مريضه مقابل أجر، وما يحدث في حياتنا بمختلف حقولها شيء ليس بعيداً عن هذا التواطؤ، فثمة بشر لا يرغبون على الإطلاق في الاعتراف بالواقع كما هو، لهذا يخترعون بما لديهم من خيال واقعاً بديلاً على هواهم . وفي معظم الحروب التي عاشها العرب من خلال الإذاعات وعبر الشاشات أكثر من الواقع، كان من يرى الواقع بكل قسوته ومرارته أشبه بالبعير الأجرب الذي يجب أن يحجر عليه ويقصى كي لا يفسد الأعراس الكاذبة، فالأوهام تكثر وتزدهر كلما اتسعت المسافة بين الحلم والحقيقة وبين الرغبات والقدرة على إشباعها . وهناك مثقفون وبعض ممن يطلق عليهم مجازاً اسم الخبراء في الاستراتيجية لا يختلفون عن ذلك الطبيب الذي تخلى عن قسمه وضميره المهني مقابل ثمن . فهم يملكون قرون استشعار ومجسات يعرفون من خلالها ما يرضي المزاج العام ثم يسعون إلى تملقه وتكريسه بكل ما ينطوي عليه من وهم وأحلام يقظة ما يؤدي إلى تعظيم الصدمة، لأن التوقعات تكبر وتتضخم بفضل التمني وبالتالي تكون الصدمة غير قابلة للاحتمال . قد لا يكون للمثقف أو الخبير "أبوقراط" يقسم باسمه ألا يخون مهنته، لكن هناك آلاف الفلاسفة والمصلحين من طراز "أبوقراط" يستحقون أن يكون القسم بأسمائهم . والفارق بين طبيب يخون مهنته ويخدع مريضه وبين النخب التي تفعل ذلك هو أن خيانة الطبيب قابلة للرصد والمشاهدة بالعين المجردة، وبالتالي يمكن إنزال العقاب بمن يقترف هذا الفعل، سواء من نقابته أو من أية جهة أخرى ذات صلة . أما الخيانة الثقافية فهي ليست مرئية ويصعب حصرها في فرد واحد، لهذا غالباً ما ينجو الخائن الثقافي بجلده ليكرر الفعل في مواقف أخرى . وقد حدث هذا مراراً، فثمة مخضرمون عاشوا أحداث فلسطين عام ،1948 وعاشوا أيضاً أحداث حزيران عام ،1967 لأن الفارق بين الزلزالين أقل من عشرين عاماً، لكنهم كرروا العبارات ذاتها، كأنهم أخرجوا ما كتبوه عام 1948 من الثلاجة وسخنوه في المايكرويف، مما خدع بعض الناس لبعض الوقت، لكن سرعان ما سقطت الأقنعة وتلاشى الغبار، فاتضح كل شيء على حقيقته . إن خيانة المثقف أو من يسمى الخبير الاستراتيجي أخطر من خيانة الطبيب، لأنه يخدع آلاف الأشخاص دفعة واحدة وبجرة قلم . خيري منصور الخليج الامارتية