لصوص تونسيّون محترمون جدّاالعاصفة مستمرّة: تساءلت فرانس 24 عن تطورات المشهد التونسي بعد إلغاء الإضراب العام متوجهة بسؤالها إلى ضيفيها عبد الباري عطوان وعادل لطيفي: 'هل انقشع الضباب في تونس؟' فجاءت الأجوبة منقسمة إلى وجهتي نظر متناقضتين. تبنّى لطيفي مواقف المعارضة التونسيّة وحمّل الإسلاميين كلّ المسؤوليّة فيما يحدث من تصادم واحتقان، مؤّكدا أنّ رابطات حماية الثورة ميليشيا أو جناح عسكريّ وظيفته الدفاع عن سياسيات الحكومة. الرأي الآخر جاء على لسان عبد الباري عطوان، فكان أكثر حيطة بتجنّبه القراءات المتداولة على الفيسبوك التي وقع لطيفي في حبائلها. عطوان أشاد بالحوار الذي أدارته نقابة العمال مع الحكومة لتجاوز الأزمة ونزع فتيلٍ كان سيؤدّي إلى عنف وفوضى. وعندما سئل عن الشيخ راشد الغنوشي الذي يعرفه جيدا بحكم إقامته لسنوات في لندن عندما كان لاجئا سياسيّا، أكّد عطوان أن الرجل لم يكن يوما من المتشددين وأثنى على تحالفه مع الأحزاب العلمانية لبناء مرحلة الانتقال الديمقراطيّ.. وقد أثّرت قراءة عطوان على الضيف الآخر فعدّل أفكاره بما يثبت أنّ الضباب كان يحيط به ويمنعه من رؤية واضحة لما يحدث في تونس. وبالعودة إلى السؤال، وإذا سلّمنا افتراضا بطرحه على الوجوه التي تدعى للجدل السياسيّ في القنوات التونسيّة، سيتأكّد لنا أنّ الأمر لا يتعلّق بضباب يمنع الناظر من النظر وإنما بغشاوة جعلت بعض العيون عاجزة عن التحرّي والتحقّق فكأنما: 'ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة'. وبسبب تلك الغشاوة، نعتقد أنّ قراءة عبد الباري عطوان لن تغيّر الكثير باعتبار أنّ ما يحدث على الأرض التونسيّة يتجاوز الضباب ويرقى في أحيان كثيرة إلى مستوى صناعة الفتن والفوضى التي تعمل بطريقة فتاكة، وتحقّق الكثير من أهدافها، وقد نجحت في تقسيم الشعب التونسي رغم تجانسه ثقافيا واجتماعيا. ولفهم ذلك الانقسام، يمكن مشاهدة قناة الحوار التونسي أو قناة الزيتونة أو قناة المستقلّة، حيث يغيب الرأي الآخر ولو بنسب متفاوتة. لذلك فإننا لن نشاهد حمة الهمامي أو شكري بالعيد يوما في الزيتونة، ولن يجرؤ الطاهر بن حسين على دعوة راشد الغنوشي إلى قناته التي تهاجمه صباحا مساء ويوم الأحد. ولن يقبل الحامدي بتمرير رأي ينتقده وينتقد حزبه العريضة الشعبيّة في قناته 'المستقلّة'. أمّا إذا حدثت تلك 'المكاره'، فإنّ شيئا من الضباب قد ينقشع. اللصوص الطلقاء: أيقنت بعد نهاية الأزمة بين اتحاد الشغل والحكومة التونسيّة أنّ قنواتنا العامة والخاصة قاصرة عن صناعة البهجة والترويح على النفوس التي كلّت من الخصومات السياسيّة وما تثيره من الجدل العقيم عبر برامج حواريّة ساهمت في تغذية الاحتقان السياسيّ والاجتماعيّ وزعزعت ثقة المواطنين بالنخبة التي تربّعت خاوية على عروشها: الخبر الوحيد 'المبهج' في ظاهره جاء من جمهوريّة السيشل، فقد بشّرونا بأنّ صهر الرئيس صخر الماطري قيد التحقيق. وتحدّثت مصادر عن إمكانيّة تسليمه بموجب مذكّرة إيقاف دوليّة. لكنّ أحدا لم يصدّق ذلك لأسباب تتصل بهيبة حكومتنا داخليا وخارجيا، وأخرى تؤكّد أنّ 'الحراميّين' الكبار يتمتّعون باحترام كبير، وبحماية دوليّة ورعاية تضمنها القوانين المعقّدة التي لم ولن تؤدّي إلى استرجاع الأموال المنهوبة قبل أن يدخل الجمل في سمّ الخياط. وقد اعترف وزير العدل بلهجة يائسة أنّ الدول الشقيقة تماطل في ذلك ولا تجد مانعا من حماية المافيا التي كانت تحكمنا وتنهب ثرواتنا... وتبقى ابنتي هي المستفيدة الوحيدة من خبر حلول الماطري بدولة السيشل، فشغفها بالجغرافيا دعاها إلى البحث عن موقع تلك الأرض البعيدة، والإحاطة بكلّ المعلومات التي تخصّ عاصمتها ومناخها ونظامها السياسي متمنّية في نهاية بحثها أن تسافر يوما إلى تلك الجزر الجميلة وهي تعلم أنّ ذلك الحلم أبعد منالا من حصول الحكومة التونسيّة على الأموال المنهوبة، فوالدها ليس من الأثرياء، ولعلّه يغادر قريبا الطبقة المتوسّطة ليأخذ مكانه مع الفقراء بسبب ما نهبه زعماؤنا لفائدتهم ولفائدة أبنائهم وأصهارهم... هكذا تتوالى على الشعب التونسيّ حوارات تلفزيونيّة وتقارير إخباريّة تعمل على تبييض صور اللصوص الذين نهبوا ثرواته طيلة عقود. فبعد معز بن غربيّة الذي حاور سليم شيبوب صهر الرئيس السابق بن علي، ومنحه ما يشاء من الوقت ليبرّئ ساحته مما نسب إليه من الفساد، ظهر خبر صخر الماطري الحر الطليق، يسافر بين العواصم ويدخلها بجواز سفر دبلوماسيّ ساري المفعول. واعترف القاضي فرحات الراجحي في برنامج الصراحة راحة بأنّ محكمة التعقيب أذنت بإطلاق سراح المنتج التلفزيوني سامي الفهري صاحب قناة التونسيّة الذي كان شريكا لبلحسن الطرابلسي شقيق ليلى بن علي، وأن بقاءه في السجن الآن غير مقبول... فهنيئا لكلّ هؤلاء اللصوص بالقانون الذي يحميهم وبرجاله الذين يجدون لهم المخارج... أما نحن البسطاء فقد نشعر بنشاز ينبعث من ذلك القانون الذي يتلاعبون به ويعبثون بأوتاره حتّى ينتابنا القلق والقرف فنغلق آذاننا وننسى.. في الأثناء قد يدخل الأبرياء السجون، أمّا العصابات الكبيرة التي تنتمي إلى المافيا فتجد الحلول وتنجو من العقاب بالقانون. صندوق نسمة: تبثّ قناة نسمة منذ مدّة برنامج الحظّ 'الصندوق' بنسخة غير محترفة، وبوسائل فنية متواضعة إذا لم نقل بدائيّة. وكان ذلك البرنامج وراء شهرة سامي الفهري الذي لم يحالفه الحظ ليخرج من السجن بسبب ما ينسب إليه من سرقة المال العام منذ أن كان يستغلّ مقدرات التلفزيون الوطني بتسهيلات من بلحسن الطرابلسي. ويبدو أنّ العلاقة المتوتّرة بين قناة نسمة وقناة التونسيّة تفسّر استيلاء نسمة على الكثير من البرامج التي نجحت فيها التونسيّة ومنها برنامج الدمى الساخر الذي يجسّد شخصيات من الحكومة والمعارضة بالإضافة إلى رئيس الجمهوريّة. وفي برنامج الصندوق بنسخته على نسمة نقائص كثيرة في المؤثرات التقنيّة كالإضاءة والتصوير والموسيقى. والمتضرّر الأوّل من تلك النقائص هو المنشّط الذي بدا أعزل في تحمّله للقسط الأكبر من التواصل مع المشاهدين فسقط في التهريج وعجز عن الظهور بأداء مقتع. كما أنّ شكل الصناديق البدائيّ وألوانها البائسة التي عوّضت الأرقام والمفاتيح التي أخذت مكان الشمع الأحمر أثّر على مصداقيّة البرنامج ووضع جانبه القانونيّ في دائرة الشكّ. ويشكو البرنامج من تشويش آخر ناتج عن تداخل العملات المغاربيّة فبعد فتح الصناديق تقرأ المبالغ بالدينار التونسي والدرهم المغربي والدينار الجزائري، وهي طريقة تثقل على المشاهد وتشوّش عليه عمليّة التلقّي. وللمقارنة، فإنّ نسخة شركة كاكتوس التي كانت تبثّها قناة تونس سبعة لاقت نجاحا منقطع النظير، واستطاعت أن تأسر الجمهور وتدغدغ أحلامه بالحصول على الثروة. ولأنّ القناة الإيطاليّة الأولى تبثّ على شبكتنا الرقميّة في تونس، يمكننا مشاهدة نسخة عالية الاحتراف لبرنامج الصندوق حيث يستمتع المشاهد بفرجة مثيرة في حلّة تتنوّع فيها المؤثّرات وتتداخل وتتعاضد فتأسر الجمهور حتّى إذا كان جاهلا باللغة الإيطاليّة إذْ للصورة لغتها التي يفهمها الجميع. هذه التقنيات ليست حكرا على القنوات الغربيّة وقد شاهدناها حاضرة بكثافة في الحلقة الأخيرة من 'أحلى صوت' على أم بي سي. ' كاتب تونسي [email protected]